يعيش السودان الكثير من المشاكل ما بين الأزمات الاقتصادية والفساد والأزمات السياسية والحروب الأهلية التي تهدد بتفكيكه إلى دويلات متصارعة ومتأخرة، وأعداد كبيرة من الحركات المسلحة والتي كونت فيما بينها الجبهة الثورية السودانية، وهى أحد مكونات “نداء السودان” الذي يضم الكثير من الحركات السياسية المعارضة في السودان.
“سبوتنيك” أجرت مقابلة مع أكبر السياسيين السودانيين، رئيس وزراء السودان الأسبق، ورئيس حزب الأمة وإمام الأنصار ورئيس نداء السودان “المعارض”، الصادق المهدي، وطرحنا عليه التساؤلات التالية…
سبوتنيك: في البداية… السيد الصادق المهدي… ما هي قصتكم مع تجمع “نداء السودان”، والذي أثار غضب الخرطوم عليكم مجددا؟
“نداء السودان”، يجمع أحزاب سياسية كبيرة وكثيرة أغلبها أحزاب مدنية، حيث يضم هذا التجمع ما يقرب من 26 حزب، وبعض تلك الأحزاب قوى مسلحة، وآل هذا الوضع إلى القوى المسلحة نتيجة لمشاكل خلقها النظام، والحركة الشعبية لتحرير السودان في بدايتها كان يقودها، جون قرنق، وبعد توقيع اتفاقية السلام “نيفاشا”، أصبح الجزء الموجود في الشمال المسلح عنده فرقتين “فرقة 9 وفرقة 10″، والحكومة تعترف بهم وبوجودهم، وعندما انفصل الجنوب أصبحت هاتين الفرقتين موجودين في جنوب كردفان وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق، والحكومة معترفة في السابق بالحركة الشعبية والجيش الشعبي، الذي هو جزء من الحركة، وكان هذا الاعتراف كجزء من اتفاقية السلام الشاملة “نيفاشا”.
سبوتنيك: هذا بالنسبة للحركة الشعبية… وماذا عن الصراع في دارفور؟
الحكومة السودانية اتبعت سياسة فيها انتقائية ضد العناصر غير العربية في دارفور، وهو ما أدى إلى تكوين حركات جديدة مثل حركة تحرير السودان والعدل والمساواة، وتسلحت تلك الحركات لإجبار الحكومة لتحقيق أهدافهم، ونتيجة هذا العدوان من جانب الحكومة والتمييز والانتقاء بين أبناء دارفور، اصبحت الحكومة السودانية متهمة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ما دفع مجلس الأمن لتحويل أمرها للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية، فتلك الحركات أصبحت مسلحة نتيجة المظالم التي وقعت عليها من جانب الحكومة.
سبوتنيك: الجبهة السودانية الثورية… هل هى كيان مسلح منفصل عن الحركات المتواجدة عن الأرض… أم أنه يتبع تلك الحركات المدنية؟
الحركات المسلحة التي ذكرناها قامت فيما بينها بتكوين ما يسمى “الجبهة السودانية الثورية”، وصارت تلك الجبهة تطالب بتقرير المصير للمناطق المهمشة ووضعت ضمن آليات تحقيق أهدافها “إسقاط النظام بالقوة”، أما نحن في الأحزاب المدنية المكونة لنداء السودان لدينا مبدأ، وهو أننا نريد نظام جديد، وسائلنا لتحقيق ذلك “سلمية”، وتوافقت معنا الحركة السودانية الثورية على أن يكون عملنا في نداء السودان “مدني” خالي من العنف، ولهذا السبب تخلت تلك الحركات المسلحة عن مطلب تقرير المصير وإسقاط النظام بالقوة، لكن ستبقى التنظيمات المسلحة لتلك الحركات موجودة إلى أن يتم توقيع إتفاق سلام، وقد أبرمت الحكومة أكثر من 16 اتفاق سياسي مع الحركات المسلحة، وهنا نؤكد أن التكوين الغالب لنداء السودان هو التكوين المدني السياسي وبه عناصر مسلحة نتيجة التكوين التاريخي للحركات المنضوية تحت “نداء السودان”، ورغم ذلك نداء السودان ملتزم بأن وسائل تحقيق أهدافه هى وسائل مدنية كالحوار أو الإنتفاضة السلمية، والحكومة السودانية معترفة بهذا الوضع، وكذلك مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأفريقي وكل القوى الدولية يصدروا قرارات، بشأن تلك الحركات باعتبار أن لديهم قضية واضحة.
سبوتنيك: إذا كانت الحكومة السودانية تعترف وتتفاوض مع تلك الحركات… فلماذا تم اتهام الصادق المهدي بالتحالف مع قوى تريد إسقاط النظام بالقوة؟
كما قلت لكم الحكومة السودانية والمنظمات الدولية والإقليمية، الجميع يعترف بتلك الحركات المسلحة ويجلسون ويوقعون معهم الاتفاقيات ومنها “خريطة الطريق”، التي تم توقيعها مع نداء السودان على وضعه الراهن، وما تم تقديمه من بلاغات ضدي، هى بلاغات كيدية، ويبدو أن الحكومة أرادت أن تشكرني على الاتفاق الذي أنجزناه مع الحركات المسلحة وإقناعهم بالتخلي عن إسقاط النظام بالقوة، فقدمت بلاغات ضدنا بأننا نريد إسقاط النظام بالقوة وهو نوع من المكايدة السياسية.
سبوتنيك: في الكثير من الأحيان تقوم الحكومات في حال الصراعات المسلحة بتقديم عروض سرية للطرف الأخر للكف عن الحرب… هل تواصلت معكم الحكومة؟
على طول الخط تعرض علينا الحكومة الحالية في الخرطوم المشاركة، ونحن نرفض كل تلك الدعوات والمشاركة ما لم يتفق على الدستور وكفالة الحريات وتحقيق السلام العادل والشامل.
سبوتنيك: كثر الحديث عن الدستور الدائم للبلاد خلال الفترة الماضية… ما هو موقف نداء السودان من هذا الدستور؟
ليس هناك معنى للحديث عن الدستور إلا عبر تنفيذ خريطة الطريق والتي وقع عليها نداء السودان ووقعت عليها الحكومة، والتي تنص بنودها على كل التفاصيل التي تتعلق بعملية السلام والحكم والحوار حولهما، خارج هذا الحوار في رأينا أنه غير مشروع، فنحن ننادي بأن من يقوم بوضع الدستور الدائم للبلاد “مؤتمر قومي دستوري”، وذلك بعد أن نتفق على بنود عملية السلام، وأي شيء يتم خارج هذا الإطار يعد وضع غير مشروع، ولا يمثل سوى وجهة نظر النظام.
سبوتنيك: قلتم في حديث صحفي العام الماضي 2017 إن “حكومة البشير قضت نحبها”… ومرت الشهور، ومازالت الحكومة باقية… هل تراجعتم عن هذا الوصف؟
يمكن أن يظل الإنسان في وحدة العناية المركزة لمدة طويلة، وكل المؤشرات تقول إن الوضع الراهن في السودان يتجه إلى الأسوأ.
سبوتنيك: كيف ترون مشاركة الجيش السوداني في الحرب على اليمن لمناصرة الشرعية؟
الشرعية في اليمن مشكوك فيها، ومصلحة السعودية نفسها أن يوجد حلا سياسيا، وكان هناك دورا تاريخيا وتقليديا للسودان يقوم به من أجل التوفيق بين الأطراف العربية المتصارعة… ففي عام 1968 وعندما كانت القوات المصرية تشارك بالحرب الأهلية باليمن، تقدم السودان بمبادرة للحل والصلح… وفي عام 1970 حدث صراع في الأردن بين الفلسطينيين والحكومة الأردنية، ولعب السودان دورا كبيرا في المصالحة، ثم يعدها الحرب العراقية الإيرانية ساهمت الخرطوم في إيقاف الحرب بين بغداد وطهران… وكان مفترض أن يلعب السودان دوره المعهود لإيقاف الحرب في اليمن، لا أن يكون أحد أطراف الصراع فهذا خطأ كبير، لأن تلك الحرب ستضر الطرفين.
سبوتنيك: الولايات المتحدة الأمريكية رفعت العقوبات عن السودان… ومازال الرئيس البشير مطلوبا للجنائية الدولية… ما تفسير ذلك؟
العقوبات الدولية على السودان عشرة، فهناك عقوبات تنفيذية وأخرى تشريعية مثل قانون سلام السودان وسلام دارفور، والذي وضع السودان في قائمة رعاية الإرهاب، وإدانة السودان على الاضطهاد الديني، هناك لوبيات كثيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، لذا عندما رفعت العقوبات التنفيذية ، لم يكن لها أثرا واضحا نظرا لأن هناك الكثير من الأحكام في المحاكم الأمريكية ضد الخرطوم نتيجة عدد من العمليات كان السودان طرفا فيها وهناك غرامات تعدت 10 مليار دولار خلافا للتعويضات التي يمكن أن يطالب بها ذوي الضحايا.
سبوتنيك: كيف ترى العلاقات الخارجية السودانية وبشكل خاص العلاقات المتناقضة، مع السعودية وفي التوقيت ذاته مع قطر، مع أمريكا ومع روسيا وتركيا؟
عندما زار الرئيس السوداني موسكو طلب من الرئيس بوتين حماية السودان من أمريكا، حكومة السودان لا تعتمد في علاقاتها الخارجية على المبادىء، وتتحدث مع كل طرف بما يناسبه، أما نحن فنرى أن الحديث مع الآخرين يجب أن يعتمد على المبادئ، بحيث يتم أولا وقف الصراعات في دول الخليج، و اقترحنا أساس لوقف النزاعات بين دول الخليج نظرا للطبيعة المتناسقة بينها، ولا يجب دخول أي عناصر خارجية في تلك الأزمات.
سبوتنيك: ما هى آليات حل الأزمات بين العرب وكل من تركيا وإيران؟
يجب أن يعلم الجميع أنه لا توجد سوى الحلول السياسية للأزمات المتفاقمة، والحلول العسكرية مستبعده تماما، لا حلول بالقوة ويجب أن ننادي بمعالجة أزمات المنطقة عن طريق مبادرة للسلام عربية —تركية-إيرانية.
سبوتنيك: كيف ترى الدور الذي تلعبه روسيا في الشرق الأوسط؟
في الفترة الأخيرة صارت روسيا أهم لاعب دولي في منطقة الشرق الأوسط، وسبب ذلك أن نتائج التدخلات الأمريكية والغربية في المنطقة كلها كانت سيئة، فكانت نتائج تدخلاتها في ليبيا والعراق وسوريا على سبيل المثال “كارثية”، وهو ما أوجد فرصة للتدخل الروسي وبنتائج ايجابية، وما نطالب به روسيا أن لا تتعامل مع الحكومات الرسمية فقط وإن تفتح أبواب الحوار مع الشعوب، فمثلا لا يجب أن تتعامل روسيا مع النظام السوداني وحده، وأن تضع في حساباتها أن هناك وجود شعبي، وأن تؤيد وترعى السلام والإستقرار في السودان وتضغط على النظام في الخرطوم لمنع “البطش” بالمدنيين، ويجب أن لا تقف العلاقة الروسية مع السودان عند حد النظام الرسمي وتفتح حوار مع القوى المعارضة مثل “نداء السودان”، لكي تلعب الدور الأكبر في عملية السلام.
سبوتنيك: وماذا عن السلام في جنوب السودان؟
في رأيي أن الموقف في جنوب السودان معقدا جدا، لأنه لا يوجد جيشا وطنيا ولا خدمة وطنية، للأسف التكوينات المتواجدة على الأرض الآن في جنوب السودان هى تكوينات قبلية والعداء بينهما ثأري قبلي، لذا فالسلام ليس متعلقا فقط بـ رياك مشار رئيس الحركة الشعبية في الجنوب أو سلفاكير الرئيس الحالي لجنوب السودان، ومشكلة السلام تحتاج لدور دولي كبير عن طريق مجلس الأمن وليس دور أمريكي، لمناقشة الموقف واقتراح خطة للسلام والاستقرار في جنوب السودان.
سبوتنيك: هل يمكن حل الأزمة في جنوب السودان بعودته للشمال في اتحاد كونفدرالي… كما يرى البعض؟
السودان نفسه غارق وغير مؤهل في الوقت الحاضر ليحل مشكلة الجنوب، والتي تحتاج لدور دولي أو لكي يمكن حلها.
سبوتنيك: ما هى الحقيقة في قولكم بأنكم ستحاسبون كل من عمل بالسياسة في السودان منذ الخمسينات في حال توقيع اتفاق السلام؟
كلامنا كان يستند لعمل مفوضية للحقيقة والإنصاف تدخل في مساءلات عن كل ما حدث في السودان منذ استقلاله حتى الآن، وهى لكل من لعب دور في العمل العام والإنساني بما فيهم الصادق المهدي، وتكون المساءلة منذ العام 1956 وحتى الآن.
سبوتنيك: بعض المسؤولين والسياسيين يتهمون الحركات المسلحة في السودان بأنها تحولت إلى مرتزقة في دول الجوار… ما رأيكم؟
الحكومة السودانية أيضا تعمل “مرتزقة” في اليمن، للأسف هناك تشوه في جسم السياسة السودانية الآن وهذا ناتج عن غياب السلام.
سبوتنيك: ما حقيقة الصراعات داخل حزب المؤتمر الحاكم في السودان؟
في الحقيقة هناك خمس مراكز قوى تتصارع بشكل كبير داخل البلاد.
سبوتنيك: ما هى رسالتكم للعالم؟
نطالب العالم أن لا يقف مع طرف على حساب طرف، وأن يكون الحوار عبر خريطة الطريق التي تم التوقيع عليها، وأقول إن السودان مأزوم جدا ووارد أن يحل مشاكله، ونتمنى أن يدعم العالم سلام عادل شامل لا حكومة ولا معارضة نحو تحول ديمقراطي كامل و مشروع تنموي شامل.
سبوتنيك: لو جاءت انتخابات ديمقراطية… هل يترشح الصادق المهدي لرئاسة السودان؟
لا لن اترشح للعمل التنفيذي أو الحزبي وعندي أشياء أخرى.