تصرّ الحكومة التونسية على وضع حدّ للفوضى التي تجتاح المشهد الجمعياتي في البلاد وإدراج الجمعيات ضمن الحرب على الفساد التي أعلنتها منذ مايو العام الماضي.
فبالتوازي مع شروع وزارة الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، في إعداد مشروع قانون لتعديل مرسوم الجمعيات، تقدّمت وزارة العدل بمشروع قانون السجل الوطني للمؤسسات الذي يهدف إلى تعزيز الشفافية المالية ويشمل أيضا الجمعيات.
وجاء مشروع القانون الذي ينكبّ البرلمان على مناقشته ليزيد من غضب الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني التي عبّرت عن رفضها لإدراجها ضمن القانون. وأعربت أكثر من عشرين جمعية في بيان عن رفضها لمشروع القانون الذي وصفته بـ”غير الدستوري”.
ووصفت المنظمات مشروع القانون بعدم الدستوري وذلك لمخالفته لأحكام الفصل 65 من الدستور الذي يوجب تنظيم الجمعيات بمقتضى قوانين أساسية وليس قوانين عادية، معبّرة “عن عميق انشغالها لما وصفته بالصبغة الزجرية التي يكتسيها مشروع القانون والتي تتعارض مع مبدأ حرية تكوين الجمعيات المضمون دستوريّا وطبقا للمعاهدات الدولية التي صادقت عليها تونس”.
ودعت الجمعيات مجلس النواب إلى التدقيق في توصيات مجموعة العمل المالي “غافي” والشركاء الدوليين الذين يرفضون بدورهم الطابع الزجري وتضييق الحرية ضد الجمعيات في إطار مكافحة غسيل الأموال والإرهاب. واعتبرت أن المشروع سيؤدي عمليا إلى العزوف عن العمل المدني وسينعكس سلبا على الدور التعديلي الذي تلعبه الجمعيات، وأعربت هذه المنظمات عن قلقلها الشديد لما أسمته بـ”تواتر المبادرات التشريعية من عديد الوزارات قصد تحجيم دور الجمعيات والسيطرة عليها”.
وسبق لنفس هذه الجمعيات أن عبّرت عن رفضها لجهود تبذلها وزارة الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، لتعديل قانون ينظم عمل الجمعيات تم إحداثه خلال العام 2011، بهدف “إحكام منظومة التمويل العمومي للجمعيات وتدعيم الشفافية في مجال تمويلها وتصرفها الإداري”.
واعتبرت أوساط سياسية تونسية البيان الأخير الصادر عن الجمعيات ضغطا للإفلات من الرقابة.
وقال القيادي في حركة نداء تونس أسامة الخليفي إن عددا من الجمعيات بصدد الضغط من أجل سحب منظمات المجتمع المدني من مشروع قانون السجل الوطني للمؤسسات.
وأضاف في تدوينة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك “مجلس النواب سيواصل مناقشة مشروع القانون المتعلق بالسجل الوطني للمؤسسات الذي يهدف إلى مكافحة تبييض الأموال والتهرب الجبائي وتكريس الشفافية الاقتصادية”.
وتابع “الجديد في القانون هو إدراج الجمعيات ضمن الأطراف الاقتصادية المعنية بالرقابة والمحاسبة وهو ما لم يكن موجودا ما أتاح الفرصة للعديد من الجمعيات كي تتحوّل إلى ملاذ ضريبي، ومجرد واجهة لتبييض الأموال، في حين تحول العديد منها إلى غرف مخابرات تخترق مؤسسات الدولة بعناوين مختلفة”. وتقود الحكومة التونسية منذ أكثر من سنة حربا على الفساد دشنتها باعتقال عدد من رجال الأعمال المتهمين بالتهريب كان في مقدّمتهم رجل الأعمال البارز شفيق جراية.وأكّد وزير العدل غازي الجريبي خلال جلسة عامة عقدت بالبرلمان الجمعة، أن مشروع قانون السجل الوطني للمؤسسات سيساهم في تدعيم الحرب على الفساد وتكريس الشفافية ومجابهة الإرهاب وتبييض الأموال.
وكان عدد كبير من الجمعيات التي تنشط تحت مسمى العمل الخيري، والتي تم بعثها بعد الإطاحة بنظام الرئيس الاسبق زين العابدين بن علي وجهت إليها اتهامات تتعلق بشبهة تمويل الجماعات المتشددة دينيا، وتسفير الآلاف من الشباب التونسي إلى بؤر التوتر في سوريا والعراق وليبيا.
وبحسب تصريحات إعلامية سابقة لمسؤولين في الحكومة التونسية يقدر عدد الجمعيات الناشطة في تونس بـ19 ألف جمعية مرخصة. وسبق للسلطات التونسية أن أعلنت العام الماضي أن 157 جمعية تحوم حولها شبهة الإرهاب.
وأكد الكاتب العام للحكومة أحمد زروق حينئذ أن الكتابة العامة للحكومة تقدمت في ديسمبر 2015 بطلب تعليق نشاط جمعيات بسبب وجود “عدة نقائص في عملهما تهم في الأصل الجوانب المالية وتتعلق بوجود إشكال بخصوص هبات توصلت بها”.
ويقول مراقبون إن مشروع قانون السجل الوطني للمؤسسات يأتي في إطار الجهود التي تبذلها تونس للخروج من القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي.
وكان البرلمان الأوروبي صوّت فبراير الماضي لصالح إضافة تونس إلى اللائحة السوداء للاتحاد الأوروبي، والتي تضم الدول المعرّضة بشكل كبير لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب.