تسود حالة من التشاؤم بين التونسيين من تكرار سيناريو اليونان إذا استمرت الحكومة في اتخاذ تدابير لا تمكنها من إخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية التي عكستها مؤشرات التضخم المرتفعة والتهاوي التاريخي لقيمة الدينار وتسارع تبخر الاحتياطات النقدية.
تونس – بددت المؤشرات السلبية الأخيرة حول تدهور قيمة العملة المحلية ومعدل التضخم غير المسبوق كل آمال الأوساط المالية التونسية في تعافي الاقتصاد الهش، الذي يفتقد للمحفزات الواقعية التي تساعده على النمو بسبب سوء إدارة الحكومة للأزمة.
ويؤكد محللون أن الأزمة تسير بالبلاد إلى احتمال انفجار اجتماعي شامل في أي لحظة مع بدء الاحتجاجات في بن قردان الاثنين كرد فعل طبيعي على استمرار غلق السلطات الليبية في طرابلس المعبر الحدودي مع تونس في رأس جدير منذ مطلع يوليو الماضي.
وواصل الدينار الانزلاق بشكل متسارع أمام العملات الأجنبية الرئيسية في السوق الرسمية، إذ بلغ أمس سعر اليورو 3.2 دينار، والدولار 2.75 دينار، وذلك للمرة الأولى في تاريخ البلاد، ما يعني أن الدولة تواجه سيناريو الأزمة اليونانية.
ويرجح البعض أن تشهد قيمة الدينار المزيد من التدهور بنهاية العام ليصل اليورو إلى 3.5 دينار والدولار إلى 3 دينارات، في ظل تسارع تآكل احتياطيات النقد الأجنبي، والتي تبلغ حاليا قرابة 3.9 مليار دولار.
ويعني فقدان الدينار لقيمته بهذا الشكل أن التضخم سيرتفع، وبالتالي فإن القدرة الشرائية للتونسيين ستتدهور أكثر، كما أن توريد السلع والمواد الأولية سيرفع التكاليف لأن المعاملات التجارية تتم بالدولار.
وتتزايد التحذيرات من التداعيات الخطيرة لهذا الانحدار، حيث قد يوسع الاختلالات في التوازنات المالية مع ارتفاع مستوى التضخم وشلل معظم محركات النمو الحيوية.
ووفق المعهد الوطني للإحصاء، وصل معدل التضخم إلى 7.5 بالمئة في يوليو الماضي بعد أن بلغ 7.8 بالمئة في الشهر السابق، مسجلا أعلى مستوى له منذ 28 عاما.
ويتجاوز سعر صرف العملة المحلية في السوق السوداء السعر الرسمي المحدد من البنك المركزي، الذي رفع أسعار الفائدة في مايو الماضي واحدا بالمئة لتصل إلى 6.75 بالمئة لكبح انفلات معدل التضخم وسط توقعات بأن يبلغ بنهاية هذا العام 8 بالمئة.
ونسبت وكالة الأناضول لوزير التجارة الأسبق، محسن حسن، قوله إن “السبب الأساسي لارتفاع نسبة التضخم هو تراجع قيمة الدينار، وهو ما من شأنه أن يحد من فاعلية تدخل البنك المركزي” في المستقبل.
وأوضح أن رفع أسعار الفائدة له انعكاسات سلبية على كلفة تمويل الشركات وعلى كلفة القروض بالنسبة إلى الأفراد، وعلى تراجع تنافسية المؤسسات الاقتصادية، إلى جانب تدهور القدرة الشرائية للمواطنين.
ويبدو أن الاصلاحات الاقتصادية التي تنفذها الحكومة بقيادة يوسف الشاهد لم تأت بنتائج إيجابية وأن الحديث عن أن هذا العام سيكون آخر عام صعب على التونسيين مجرد مناورة لكسب الوقت مع الاستعدادات للانتخابات التشريعية والرئاسية، في ظل التجاذبات السياسية التي كانت السبب الرئيسي وراء بطء دوران عجلة النمو.
ويعتقد الخبير الاقتصادي الصادق جبنون أن الضغوط التضخمية لا تزال قائمة مع استمرار انزلاق الدينار، حيث يلاحظ أن أسعار المواد الاستهلاكية تتخذ منحى تصاعديا دون أن تتمكن السلطات من كبحها.
وقال إنه “حتى نتحدث عن انخفاض حقيقي في التضخم يجب ألا يقتصر ذلك على زيادة أسعار الفائدة، التي لن تأتي بنتائج سريعة، ولكن ننتظر تحسنا ملموسا في الإنتاجية”.
وبصرف النظر عن قطاع السياحة، الذي أصبح الاستثناء الوحيد لتغيير معادلة الاقتصاد، بعد قفزات متتالية في العوائد منذ بداية العام الجاري بلغت بنهاية الشهر الماضي حوالي 640 مليون دولار، إلا أن القطاعات الاستراتيجية الأخرى، من بينها قطاعا الفوسفات والزراعة، لم تجد طريقها نحو التعافي.
وفي خضم ما تشهده البلاد من أزمات مالية مزمنة، كشف محافظ المركزي مروان العباسي أن البنك يدرس اقتراض العملة الصعبة من التونسيين المغتربين، وهو مؤشر آخر يدل على أن الدولة تعاني من مشكلات مالية حادة.
ولكن مقترح العباسي قوبل بالتشكيك من بعض المحللين الذين قالوا إنه يعطي انطباعا للأسواق المالية الدولية بأن الدولة لم تعد قادرة على سداد ديونها التي تبلغ وفق التقديرات الرسمية نحو 71 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وقال الخبير عزالدين سعيدان في تصريح لإذاعة “جوهرة” المحلية أمس، إن “المقترح مخيف جدا وغير مطمئن”، مؤكدا أن الخطوة تعتبر رسالة سلبية للأسواق المالية الدولية.
وعجزت الحكومة طيلة الأشهر الأربعة الأخيرة عن طرح سندات بقيمة مليار دولار في الأسواق الخارجية رغم موافقة البرلمان، لعدم حصولها على ضمانات دولية جراء ضبابية الأوضاع الاقتصادية للبلاد.
ويمارس صندوق النقد الدولي ضغوطا على تونس من أجل اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة الوضع المالي والموازنة العامة، تتضمن زيادة الإيرادات الضريبية وكبح زيادات الأجور في القطاع العام.
وفي محاولة لمساعدة الحكومة، قدم المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية حزمة من الحلول العاجلة لتجنيب البلاد المزيد من المشاكل في الفترة المقبلة.
وقال فتحي الخميري، مدير السياسات العامة بالمعهد، إن “رؤية المعهد تتلخص في 15 حلا يمكن تطبيقها سريعا”.
ومن بين تلك الحلول إيقاف استيراد مجموعة من السلع بشكل كامل وخاصة الكماليات مثل السيارات الفخمة، لمدة 6 أشهر، لتخفيف الضغوط على الاحتياطات النقدية وعلى الدينار، إلى جانب تقليص عدد الوزارات ودمج البنوك الحكومية في مؤسسة واحدة.