دعت “هيئة الحقيقة والكرامة” المكلفة العدالة الانتقالية في تونس في تقريرها الختامي الذي نُشر الثلاثاء، إلى إصلاح المؤسسات الفاسدة التي تمارس القمع وطلبت من رئيس البلاد الاعتذار من الضحايا.
وأنهت “هيئة الحقيقة والكرامة” التي تأسست في العام 2014 في أعقاب سقوط نظام زين العابدين بن علي عام 2011، تفويضها أواخر 2018 وتمكنت أخيراً من نشر توصياتها التي تهدف إلى إرساء الديموقراطية في تونس.
وتردّد القادة التونسيون الرئيسيون المكلفون تطبيق هذه التوصيات في إطار عملية العدالة الانتقالية، في تلقي هذا التقرير، بعد معارضتهم لأعمال الهيئة.
وفي تقريرها المؤلف من 150 صفحة، دعت “هيئة الحقيقة والكرامة” خصوصاً إلى القيام بإصلاحات بهدف “تفكيك منظومة الفساد والقمع والاستبداد” في صلب هيئات الدولة، بهدف عدم تكرار “انتهاكات حقوق الإنسان”.
وطلبت الهيئة تعزيز استقلالية القضاة والمحاكم الإدارية أو حتى الحماية القانونية للشهود والضحايا في حالات الفساد.
ودعت إلى إعادة هيكلة قوات الأمن الداخلي بهدف إدخال مزيد من الشفافية والرقابة والممارسات التي تحترم القانون والتأكد من إبقاء هذه القوات “بعيداً عن التجاذبات السياسية”.
واقترحت تشكيل هيئة مراقبة للشرطة مستقلة عن قوات الأمن ووكالة استخبارات تتبع بشكل مباشر لرئيس الجمهورية وتخضع لرقابة البرلمان. ويهدف ذلك إلى تلافي تجاوزات الأجهزة الأمنية وتورطها في حماية الأنظمة الفاسدة والانتهاكات الخطيرة.
ودعت الهيئة رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي إلى “الاعتذار من ضحايا الاستبداد عن الجرائم المرتكبة باسم الدولة” خلال الفترة الزمنية الممتدة بين عامي 1955 و2013.
وتتضمن الفترة المذكورة عهد الحبيب بورقيبة (1957-1987) وخلفه بن علي (1987-2011) فضلاً عن اضطرابات ما بعد الثورة.
وطالبت الهئية باعتذارات عبر خطاب يوجّه إلى الضحايا بالإضافة إلى إقامة نصب تذكاري في مكان يُطلق عليه تسمية ساحة الاعتذارات.
وتمنّت أن يكون الوصول إلى أرشيفها بشأن الانتهاكات متاحاً خصوصاً للأشخاص الذين يرغبون في إعداد دراسات أو أعمال وثائقية بشأن هذه الوقائع بهدف “حفظ الذاكرة الوطنية” للأجيال القادمة.
وعُرض تقرير الهيئة خلال حفل الثلاثاء أمام عدد من جمعيات المجتمع المدني في تونس.
وقالت الرئيسة الفخرية لجمعية القضاة التونسيين روضة القرافي “هذه لحظة احتفال لأن هذا المسار نجح رغم الصعوبات”.
هذه لحظة احتفال لأن هذا المسار نجح رغم الصعوبات
وأشارت الباحثة المعنية بشؤون تونس في منظمة العفو الدولية فداء الهمامي إلى أن “هذه لحظة فاصلة لتونس – فكيف تستجيب الحكومة لنتائج التقرير سيكون بمثابة اختبار حاسم لالتزامها الحقيقي بحقوق الإنسان”.
ودعت السلطات إلى “التخلص نهائياً من نمط الإفلات من العقاب الذي عرقل تقدم حقوق الإنسان على مدى عقود”.
وكانت الحكومة التونسية قرر سحب رسميا ملف العدالة الانتقالية من سهام بن سدرين في مايو/أيار في خطوة أولى لتحيل الملفات إلى السلطات القضائية في مرحلة ثانية وذلك تنفيذا لقرار البرلمان القاضي بعدم التمديد في رئاستها للهيئة.
وكان يوسف الشاهد رئيس الحكومة وجه رسالة إلى بن سدرين أعلمها من خلالها بوجوب إنهاء أشغال الهيئة قبل نهاية مايو/ايار وتسليم العهدة المالية والملفات إلى الأرشيف الوطني وذلك تنفيذا لقرار البرلمان. ورأى مراقبون في القرار المشترك بين الحكومة وبن سدرين تصحيحا لمسار العدالة الانتقالية بعد أن حولت وجهته بن سدرين إلى ملف لبث والكراهية بين التونسيين. وطيلة فترة رئاستها للهيئة حظيت بن سدرين بغطاء سياسي قوي من قبل حركة النهضة الإسلامية رغم اتهام 30 مؤرخا تونسيا لها بسعيها إلى إعادة كتابة تاريخ تونس. وتجاهر النهضة بأن من كتبوا التاريخ التونسي الحديث محسوبون على التيار العلماني الذي قاده الزعيم الحبيب بورقيبة وأنهم لم ينصفوا دور عدد من شيوخ جامع الزيتونة في مسارات الحركة الوطنية التي تزعمتها نخبة تتبنى الثقافة السياسية المدنية.
وواجهت بن سدرين انتقادات لاذعة من الحكومة وأعضاء البرلمان وقوى سياسية ومدنية متهمة إياها بتحويل مسار العدالة الانتقالية من خيار للوصول إلى مصالحة وطنية شاملة إلى ملف للتشفي والافتراء والتشكيك في التاريخ الوطني بما في ذلك التشكيك في أن تونس حصلت على استقلالها بالكامل.