قبل ثماني سنوات من الآن في عام 2011 صرح الملك عبدالله الثاني للإعلامية (دوسيت )من هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية (bbc) ، ،بعد أن وجهت له سؤالا “أنت تعلم أنك كملك لديك سلطات غير مقيدة ، فأنت تعين رئيس الوزراء ولديك صلاحية حل البرلمان ، ويبدو أن الحراكيين يطالبون برئيس وزراء منتخب، كما يريدون تقوية دور البرلمان، ويريدون ملكا بسلطات مقيدة. فهل تقبل بذلك؟” ، فجاءت إجابته انه تعلم من والده ان يستمع لما يريده الناس ، وأن الملكية في الأردن ملكية دستورية .و لا أملك سلطة مطلقة ، أنا أستطيع تعيين رئيس الوزراء، ولكن هذا القرار خاضع للموافقة والحصول على الثقة من الأغلبية البرلمانية. وفي ذات الوقت، فإن غالبية البرلمان تستطيع حجب الثقة عن الحكومة، وهذا ما حدث فعلا قبل بضعة أسابيع. فقد كان هناك حركة داخل البرلمان تدعو إلى حجب الثقة عن الحكومة، وعليه فقد إلتقيت عددا من البرلمانيين لبحث أفضل الطرق، وتوصلنا إلى أن أفضل السبل هو التعاطي مع هذه المسألة بأسلوب تقدمي، فتقدم رئيس الوزراء بإستقالته، وبعد ذلك تم تشكيل حكومة جديدة.
كما أشار في المقابلة نفسها عام 2011 بعد توجيه أسئلة مهمة عن كون الأردن غير جاهز للديمقراطية وتشكيل برلمان حقيقي ؟, أجاب الملك ان الأردن جاهز للديمقراطية وبالنسبة للإصلاح السياسي، ان ما نتمنى رؤيته في الأردن هو وجود حزبين إلى خمسة أحزاب بأقصى سرعة ممكنة، حتى نتمكن من التوصل إلى حكومة منتخبة من الشعب.وأنه علينا أن نكتشف مفهوم الوسط، لأننا إذا إتفقنا على ما هو المقصود بالوسط، يمكن أن نطور مفهوم اليمين واليسار, ما آمل أن يحدث هو أن تقوم إئتلافات برلمانية بعد الإنتخابات الجديدة وتحالفات تقوم على تفاهمات مرنة، تمثل اليسار، وإلى حد ما اليمين، وعندها تشكل حكومة منتخبة.وعلى ارض الواقع لم يحدث شيء من هذا الطرح.
ثم في عام 2013 أكد الملك في مقابلة إعلامية أخرى لمجلة ( ذا اتلاتنك ) الأمريكية ، أنه يرى إبنه يحكم الأردن بملكية دستورية حين يصبح بعمر الحكم ، دون أن يحدد العمر ، إلا أنه ربطها بمرحلة التعديلات التشريعية، وصولا إلى مرحلة تعديلات دستورية تحد من سلطات الملك، وتحول الأردن للملكية الدستورية ، كما شدد في تصريحه على إنه ينوي (تحويل الأردن إلى النظام الملكي الدستوري على الطريقة البريطانية ) وربما هنا يجب ان نفكر كثيرا بهذا الطرح.
الآن في عام 2019 بعد الحديث مطولا عن الإصلاح السياسي والإقتصادي وتقصير الحكومات , أشار الملك مرة أخرى إلى أن ما يحتاجه الأردن هو حزبين إلى خمسة أحزاب تمثل اليمين واليسار والوسط ، وهنا يأتي دور الحكومة والفعاليات الحزبية والمدنية ورجال الدولة وقادة الحراك الشعبي الإحتجاجي وسائر مؤسسات الدولة رسمية وأهلية .وايضا لم يتم العمل بهذا الطرح لغاية الآن.
يبدو جليا للمتابع ان السلطة التشريعية في الأردن تعاني من عجز واضح مستمر بل شلل تام رغم كل الصيغ الواضحة , لكن النوايا مختلفة حيث يتم العمل على إلغاء دورسلطة الأمة او الشعب في ممارسة سلطته الحقيقية في التشريع او الرقابة , فهو شعب واع لكنه لا يمتلك نضجا سياسيا يمكنه من اداء دوره الفاعل بشكل لائق.
بكل صراحة ووضوح, إن مطلب الإصلاح تتم إضاعته في مهاترات ليس لها معنى, تؤدي الى خلط الأوراق سياسيا وإقتصاديا على المستوى الداخلي والخارجي لنتحدث عن أجندات ومال سياسي أسود يوزع على أصحاب الياقات والمناصب لتمرير ما يمكن تمريره من صفقات وتطبيع ومجلس نواب مفرغ , وهو أمرمرفوض جملة وتفصيلا .
في الأردن نعاني من مشاكل عديدة غير متجانسة الى جانب تمركز السلطات ألا وهو وجود سلطات وأجهزة فوق الدستور وفوق القانون، وطبيعة الحياة السياسية في البلاد ليس لديها التطور الحاضن,وفي ظل هذا التناقض الواضح لا نستطيع القفز في المجهول ، ونحن نسير ضمن عملية سلحفائية في الإصلاح تنتهي بعد 20 أو 30 سنة مقبلة ، و نحتاج إلى حكومات منتخبة ومسؤولة أمام برلمان حقيقي منتخب، برلمان يمثل بعدالة المواطنين جميعا لأن الحكومات جزء من المشكلة في الأردن وليست جزء من الحل، يأتون من دون أن ندري ويذهبون من دون أن نعرف لماذا ذهبوا . ضمن ظاهرة الحكومات المتكررة و الحكومات السريعة والعابرة.
من جهة أخرى هنالك طرف ثالث بين الشعب والدولة ، لديه مصالح عدة في خلق صراع متأجج بين الطرفين وبين الشعب ذاته من عنصرية وشقاق بما يشابه إستراتيجية البقرة وهي ذاتها إستراتيجية إستعمارية بريطانية , هذا الطرف الثالث يدعى الدولة العميقة في الأردن.. والتي وصلت حد النخاع ..في جسم الدولة والشعب من الديوان الملكي والجهات الأمنية ودائرة المخابرات العامة حتى المؤسسات التنفيذية والتشريعية وإدارة شؤون الدولة , وحتى في النخب السياسية الأردنية من أحزاب أو كتل أو شخصيات سياسية وأكاديمية وعشائرية , والسؤال الأهم هو هل ينظر الأردنيون الى الدولة العميقة بطريقة إيجابية تدفعنا للحرص على إستمرارها ؟؟ ام لدينا مشاعر سلبية ونعلم مدى سلبية وجودها ضد مصالحنا وضد الدولة ؟ خاصة وان الدولة العميقة ادواتها أصحاب المصالح و رؤوس الأموال والشركات والمقاولين وأصحاب العقارات والحيتان من المتاجرين بالغذاء والدواء وهذا بيذكرني ببيل غيتس كمثال.
الدولة العميقة هي سياسة خارجية واقليمية صهيونية وامريكية وهي اموال دول الجوار التي تسوق داخليا لصالح اجندات وتمريرصفقات وتبديل أوطان والشعب من يدفع الثمن ؟؟؟ فهل يعي الشعب حجم المؤامرة التي تصاغ ضده ؟؟وهل هو مؤهل وقادرعلى مقاومتهم وكيف . ؟ ومن أين البداية . . فالكف لا يلاطم مخرزا.
ربما أخطرما في السياسة الشعبية استخدام الشعب لضرب الشعب بنفسه او استخدام الشعب لضرب خصومهم السياسيين او كأدة ضغط داخلية وخارجية , ناهيك عن إتباع أسلوب ألاعيب شيحا،مثل اللجوء إلى اختيارشخصية بارزة او معروفة، لتضحى به الحكومة ككبش فداء، ،في محاولة للهروب من المسؤولية،وإلقاء التبعية عليه والتخفيف من سخط الرأي العام ويكون الإعلام جاهزا لسن السكاكين للضحية. ولا ننسى سياسية العصا والجزرة و الترغيب والتحكم الناعم الذكي الذي يستغفلنا .وإستخدام صفتك كمواطن لمرابح سياسية , وفي المحصلة المواطن هو الخاسر في معركته منذ البداية.
وهنا ربما نحتاج كشعب ان نجيب على تساؤل مهم ,هل نحن كشعب نعلم ماهية عناصر القوة والضعف لدينا كشعب ؟، ونسأل المسؤول كذلك ما هي عناصر القوة والضعف لدى شعبك ؟؟ ونراهن ان الإجابات ستكون مختلفة.
هل نحن نساوي صفرا من وزن الشعوب … وما هي ورقتنا الجوكر التي نراهن عليها كشعب . وزن الشعب صفر..لا ثقل ضاغط ولا ثقل إنقاذي , وربما للصفر قيمة رياضية وفعلية لأن الصفر بجانب العشرة يصبح 100 وثم 1000. فهل سنصبح كشعب رقما صعبا ويحسب لنا حساب أم سنبقى معادلة صفرية .. لكم الجواب.
* كاتبة المقال: إعلامية أردنية