>> القضاء الجزائري يتحرك للتحقيق في ممتلكات رجالات نظام بوتفليقة في فرنسا
وجهت السلطات القضائية الجزائرية إنابة قضائية لنظيرتها الفرنسية، من أجل مباشرة تحقيق مع عشرات الشخصيات والوجوه المحسوبة على نظام الرئيس الجزائري الأسبق عبدالعزيز بوتفليقة، لتفتح بذلك أول حلقة من مسلسل الأموال المنهوبة التي كانت أحد أسباب الانتفاضة الشعبية في البلاد.
يأتي هذا في وقت يستعيد فيه جهاز المخابرات تأثيره في حماية الرئيس عبدالمجيد تبون بعد أن خسر هذا الجهاز الحيوي نفوذه في عهد بوتفليقة ثم قام القائد السابق للجيش قايد صالح لاحقا بتفكيكه وتهميش قياداته.
وذكرت مجلة “لوبوان” الفرنسية أن السلطات الجزائرية طلبت من نظيرتها الفرنسية ضبط ممتلكات عشر شخصيات بارزة ممن شغلوا مناصب عليا في نظام الرئيس بوتفليقة، فضلا عن مئة شخصية أخرى كانت مقربة منه .
وإن لم يشر التقرير إلى هوية الأسماء المعنية فإن الأنظار تتّجه إلى مسؤولين كبار في الدولة، منهم وزراء ودبلوماسيون وضباط عسكريون ورجال أعمال، شكلوا طيلة العشريتين الماضيتين الحلقة القوية في نظام بوتفليقة، وكونوا ثروات طائلة غير شرعية هربت إلى فرنسا ودول أخرى على مراحل.
وبحسب تقرير لصحيفة “العرب” اللندنية، تعد هذه الخطوة الأولى من نوعها منذ تولي عبدالمجيد تبون رئاسة الجزائر في ديسمبر الماضي، حيث شكلت الأموال المنهوبة أحد الأسباب التي أدت إلى انفجار الحراك الشعبي في فبراير 2019، وكانت أحد التعهدات الـ54 التي قدمها تبون في حملته الانتخابية.
وكان الرئيس الجزائري قد شدد في حملته الانتخابية على “استرجاع الأموال المنهوبة، وأنه يعلم مسارها ومكان تواجدها”، وهو ما أثار حينها لغطا خاصة لدى معارضيه الذين وصفوا تصريحاته بـ”غير المسؤولة” كونها تتضمن تواطؤا أو تسترا على الجريمة.
وما زال الغموض يكتنف الأموال المنهوبة المحولة في المصارف والبنوك الأجنبية، حيث لم يصدر أي تصريح رسمي من السلطة الجديدة عن حجمها ووجهتها، ما يوحي بأن المسألة تتطلب وقتا معتبرا من أجل جردها أو السعي لإعادتها إلى الخزينة العمومية.
وفي هذا الشأن قدر عبدالرحمن مبتول، الخبير الاقتصادي والمستشار الرئاسي السابق، الأموال المنهوبة خلال العشريتين الماضيتين، بأكثر من 200 مليار دولار، واستند في ذلك إلى فرضية العمولات والمزايا المحققة لأصحابها، في الصفقات المبرمة بين الجزائر وشركائها الأجانب.
وتحدثت عدة مصادر في وقت سابق عن حصول وزير الطاقة والمناجم السابق شكيب خليل، المتواجد حاليا في الولايات المتحدة الأميركية، على عمولات ومزايا قدرت بنحو 200 مليون دولار، في حين تمتلك عشرات الشخصيات من النظام السابق عقارات وممتلكات وحسابات ضخمة في فرنسا.
وكان الناشط السياسي المسجون رشيد نكاز قد قدم عدة تفاصيل حول ممتلكات وعقارات الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني، المقيم بين فرنسا وبريطانيا، وهو ما عرّضه إلى الاعتداء بالعنف من قبل مَن أسماهم بـ”بلطجية نظام بوتفليقة “.
وفيما تتركز الأنظار في الجزائر على الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة، خاصة بعد بروز بوادر أزمة سيولة نقدية، عاد الحديث بقوة إلى تعهدات الرئيس تبون، باستعادة الأموال المنهوبة، وهو ما سيضع المسعى في خانة التوظيف الاجتماعي والسياسي، لإنقاذ السلطة الجديدة من موجة الانتقادات والذهاب إلى خطوة جديدة لاسترضاء الشارع وتغيير الاهتمام نحو ملف الأموال المنهوبة بدل التراكمات المترسبة في المشهد الداخلي.
وإذ تعول الجزائر على مباشرة حملة استرجاع الأموال المنهوبة لإخماد الغضب الشعبي المتعاظم، وحشد الشارع للالتفاف حول أجندة السلطة وفي مقدمتها الاستفتاء الشعبي على الدستور الجديد مطلع شهر نوفمبر القادم، فإن مختصين في القانون يبدون تشاؤما حول مصير هذا الخيار قياسا بالمعوقات القانونية والدبلوماسية التي تعترضه.
وصرح المحامي والناشط الحقوقي مصطفى بوشاشي بأن “قضية الأموال المنهوبة تتطلب وقتا طويلا وجهدا مضنيا، لأن الإجراءات القانونية والدبلوماسية المطلوبة قد تطول، ولا يمكن الرهان عمليا على مثل هذه الأوراق لاستعادة الأموال المعنية، خاصة وأن تجارب مماثلة سبقت الجزائر ولم تحقق نتائج ملموسة”.
وكان كتاب “باريس الجزائر.. قصة حميمية”، للإعلاميين الفرنسيين كريستوف دوبوا، وماري كريستيان تابيت، قد قدم تفاصيل مثيرة عن فساد النخب السياسية والمالية المحيطة بالرئيس الأسبق بوتفليقة، وقدر الأموال المهربة من الجزائر إلى فرنسا إلى غاية عام 2015 بنحو 50 مليار دولار.
أما الإعلام الكندي فقد كشف، خلال الأشهر الأولى للحراك الشعبي، عن قدوم عشرات الملايين من الدولارات في ظرف وجيز إلى حسابات بنكية في مصارف محلية، ودعا الحكومة والبرلمان إلى التحقيق في الحركة غير العادية لضخ نحو 80 مليون دولار من طرف شخصيات جزائرية في مارس وأبريل 2019.
ويشير مختصون في القانون إلى أن الاتفاقية الموقعة بين الجزائر وفرنسا قبل 2019، حول تسليم الأشخاص المطلوبين لسلطات البلدين، والتي كانت تستهدف ناشطين ومعارضين لنظام بوتفليقة يقيمون في الأراضي الفرنسية، يمكن أن يتم استغلالها الآن في ملف الأموال المنهوبة واستلام الأشخاص المتورطين فيها.
إلا أن الأمر قد لا يستقيم مع الدول والحكومات التي لا تربطها أي علاقات قضائية أو اتفاقيات مماثلة، كما هو الشأن بالنسبة إلى وزير الصناعة الأسبق عبدالسلام بوشوارب، المقيم حاليا في لبنان، والذي كان قد ورد اسمه في وثائق “بنما بايبرز”، حول امتلاكه شركات في الجنان الضريبية.