يعود انتشار ما يطلق عليه بالتقاسيم الزراعية العائلية أو التقاسيم الزراعية العمالية بفرنسا لأواخر القرن العشرين على أثرالأزمة السكانية التي مرت بها البلاد بداية القرن ،والتي تسببت في تكدس الطبقات العمالية في الأحياء السكنية الشعبية بعيداًعن المساحات الخضراء بهدف خلق متنفس طبيعي واقتصادي للعمال ذوي الدخل المحدود. عملت البلديات المحلية بفرنسا مع بداية انتشار هذه التجربة على توزيع قطع أراضي زراعية ذات مساحات محدودة خارج المدن على العمال الراغبين باقتناء هذهالأراضى، وزرعها مقابل أجر سنوي رمزي.
سرعان ما انتشرت هذه التجربة من العاصمة باريس التي شهدت أولى هذه التقسيمات لتتوزع على كامل المدن الفرنسية ليتطور عدد المنتفعين من 48 سنة 1904 الى 250000 لسنة 2019 ،وليسن لها قانوناً خاصاً بها ضمن الإطار التشريعي للقانون الريفي الفرنسي. سلمت إدارة هذه التقاسيم بموجب هذا القانون لمنظمات المجتمع المدني الغير ربحية التي عملت على توزيع هذه الأراضي على حسب قرب المنتفعين بها من موطن سكناهم ودخولهم الشهرية.
وفى إطار الواقع الخبروىأكد لنا “السيد نابيل الوسلاتي” أحد المنتفعين بهذه التقاسيم بمدينة “كان” الفرنسية أن استثماره لهذه الأرض يعد متنفساً طبيعياً له بعيداً عن ضوضاء المدينة ،وازدحام المكاتب من خلال ما توفره له من خضرة ،وهدوء يبحث عنه طوال اليوم لتجديد طاقته كما توفر له علي المستوى الاجتماعي فرص لتبادل الخبرات،والنصائح والتقنيات مع جيرانه في الاراضي المجاورة.
كما أكد على تغير نظامه الغذائي منذ استغلاله لهذهالأرض حيث أصبح طعامه أكثر صحياً لتناوله المنتوجات الزراعية البيولوجية التي يزرعها بنفسه.
علي رغم من هذه الامتيازات التي توفرها هذه التقاسيم الزراعية من متنفس بيئى تربوى ،واجتماعي ،واقتصادي لساكنى المدن إلا أنها تظل تجربة هشة لعدم اعتراف الجهات العامة ،ووثائق التخطيط الحضري بها بشكل كامل ،واعتبارها مجرد وسيلة لإعادة الغطاء النباتي للمدن ،ونوع من البستنة الحضرية.
- كاتبة المقال: أستاذة في جامعة بلاز بسكال بكلرمون فيرون بفرنسا