باتت أزمة الغواصات التي أربكت العلاقات بين الحلفاء الغربيين، تشكل خطرا متزايدا ينذر بتغيرات جذرية في العلاقات الدولية وربما أيضا داخل مجلس الأمن، الأمر الذي يخشاه الأمين العام للأمم المتحدة منذ سنوات.
مساء أمس الأربعاء، انطلق اجتماع غير رسمي لوزراء خارجية أمريكا والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن)، وذلك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة. ناقش الاجتماع بشكل أساسي القضية الأفغانية.
الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو خلال قمة الناتو في مقر الحلف، في بروكسل، بلجيكا في 14 يونيو/ حزيران 2021
وبعيدا عن أفغانستان، يرى الخبراء أن ملفات أخرى عديدة من المنتظر بحثها في مجلس الأمن، ستتأثر سلبا بالأزمة الحادة بين فرنسا والولايات المتحدة، حسبما ذكر تقرير لوكالة “فرانس برس”.
وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، الموجود في نيويورك، رفض عقد أي اجتماعات مع نظيريه الأمريكي والبريطاني، قبل المكالمة الهاتفية التي أجرها الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتي اتفقا خلالها على استعادة الثقة والتعاون.
ويقول برتران بادي خبير العلاقات الدولية في معهد العلوم السياسية في باريس إن الأزمة بين البلدان الثلاث (أمريكا وفرنسا وبريطانيا) تهز الثقة بينهم، وصفا إياها بالأزمة الحادة والمرتبطة بالمفهوم التقليدي لتحالف منبثق عن الحرب الباردة ولم يتغير.
وتوقع الخبير تفاقم الخلافات بين الدول الحليفة في المستقبل، ما يدفع نحو ضرورة تجاوز هذا المفهوم القديم للأمن الدولي، على حد قوله.
تلعب المجموعة الثلاثية دور فعال في إثراء النقاش حول الملفات المختلفة قبل طرحها في مجلس الأمن، وتمارس جهدا أساسيا في تشكيل جبهة موحدة (ضد روسيا والصين)، قبل السعي لضم الدول العشر غير الدائمة العضوية إلى موقفها.
لكن هذا التحالف الثلاثي انكمش دوره بفعل سياسات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ومع ذلك، كافحت باريس ولندن كافحتا خلال ولايته ورغم “بريكست”، لإبقاء واشنطن بجانبهما في معظم الملفات.
قالت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي، يوم الأربعاء بالفعل، إن شركاء حلف “الناتو”، وبمبادرة من فرنسا وألمانيا وافقوا على مراجعة المفهوم الاستراتيجي للحلف.
وذكرت بارلي خلال اجتماع لمجلس الشيوخ الفرنسي: “سبب وجود الناتو هو الأمن عبر المحيط الأطلسي، وهذا ما نريد تذكير الولايات المتحدة به، لذلك قرر شركاؤنا، بمبادرتنا وكذلك بمبادرة من ألمانيا، مراجعة المفهوم الاستراتيجي للحلف”.
وأشارت إلى أن مثل هذا العمل سيوضح الوضع بالنسبة لقمة “الناتو”، في مدريد، بالإضافة إلى تعزيز الدفاع عن أوروبا، مضيفة:
كوننا حلفاء لا يعني أن نكون رهينة مصالح دولة أخرى. حتى لو كان النقاش الصريح بين ماكرون وبايدن دافعا لتهدئة التوتر على المدى القريب، لا يستبعد أن تضر الأزمة الفرنسية الأمريكية بسير عمل مجلس الأمن والنهج الغربي بالأساس.
ومع ذلك، يرى ريتشارد غوان اختصاصي الأمم المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية أن “العلاقات داخل المجموعة الثلاثية كانت دوما معقدة” ولا يعتقد أن مشكلة الغواصات ستغرق المجموعة.
أبرمت أستراليا قبل أيام اتفاق شراكة دفاعية ثلاثية مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، وبموجب الاتفاق الثلاثي ستقوم واشنطن بتزويد كانبيرا بتكنولوجيا وقدرات تمكنها من نشر غواصات تعمل بالطاقة النووية.
وبعد هذه الشراكة أعلنت أستراليا فسخ عقد مع فرنسا بقيمة عشرات المليارات من الدولارات، لبناء غواصات تقليدية، منوهة بأنها باتت تفضّل بناء غواصات تعمل بالدفع النووي بالشراكة مع الولايات المتحدة وبريطانيا.
واعتبر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان أن إلغاء عقد بيع الغواصات الفرنسية إلى أستراليا ينم عن “الازدراء والازدواجية والأكاذيب”، وأن هذه الخطوة ستؤثر على مستقبل حلف الناتو.
واستدعت فرنسا سفيريها لدى الولايات المتحدة وأستراليا للتشاور، فيما أعربت أستراليا عن أسفها لهذا القرار، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنها تثمن علاقتها مع فرنسا وستستمر في التواصل مع باريس بشأن قضايا كثيرة أخرى.