تزايد الهلع في مختلف أنحاء العالم مع بداية انطلاق الموجة الرابعة لمتحور فيروس كورونا المستجد والذي ضرب جميع الدول في آخر العام 2019 وبداية العام 2020 مع اتهامات لدولة الصين أنها وراء تخليق هذا الفيروس لبداية حرب سياسية واقتصادية.
وقد حصد الفيروس اللعين، حتى كتابة هذا المقال، أرواح ما يقرب من خمسة ملايين إنسانا على مستوى العالم، ومازالت الضحايا مستمرة.
وفي إطار مجابهة الفيروس المميت اتخذت كافة الدول مجموعة من الإجراءات الاحترازية وصلت في أشدها إلى خلق كافة المؤسسات الحكومية والخاصة وأماكن التنزه والسهر والترفيه باستثناء مؤسسات الصناعة والإنتاج ومتاجر الأغذية والدواء والمستشفيات، مما كبد الاقتصاد العالمي خسائر فادحة، مازلنا نعاني من تبعاته حتى اللحظة، فهناك مؤسسات وكيانات تجارية أنهت نشاطها بالكامل، وأخرى سرحت موظفيها، وثالثة خفضت الرواتب.. إلى آخر الحصاد المر من تبعات انتشار الفيروس.
ووسط انتشار الفيروس وحصده لأرواح البشر تعالت أصوات البعض مطالبة الحكومات، وبشكل خاص في مصر، باستمرار الغلق الكامل معتقدين أنه الوسيلة الأهم للقضاء على الفيروس القاتل، غير مدركين بأن أكثر من 70% من اقتصاد الدولة بيد القطاع الخاص، وأن الخاسر الأكبر هو هذا القطاع وبالتالي الدولة كاملة، فالموظف الحكومي في كل الأحوال ضمن قبض راتبه نهاية كل شهر، أما القطاع الخاص فمرتبط بالإنتاج، إذا أنتج العامل أو الموظف قبض والعكس صحيح.
واليوم، وبعد تأمل بسيط ومعرفة بعالم الفيروسات والبكتيريا والكائنات الدقيقة (النافع منها والضار) يجب أن نلتفت أننا في (عصر الأوبئة)، والسؤال هنا: ماذا لو قضينا على فيروس كورونا وكذلك متحوراته وكل نسخة منه وظهر فيروس جديد بإسم جديد وامتلاكه أعراضا جديدة أو مشابهة؟.. هل بإمكاننا القضاء عليه فورا، أم ستنطلق دعوات الغلق الكامل بما يجعل حركة الدولة في شلل تام في اقتصادها ومجريات أمورها؟.. بالطبع لا.
ويتكرر السؤال: ماذا عن الفيروس القادم ونوعه وماذا يحمل؟
أسئلة كثيرة لم تعد تحمل إجاباتها سوى أننا في “عصر الأوبئة” وعلينا التكيف معها واتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة للوقاية.
وفي إطار المكافحة ظهرت عدة لقاحات يدعي مكتشفوها أنها تقي أو ربما تخفف الأعراض عند الإصابة بفيروس كورونا المستجد، ولكن هنا تساؤل مهم: فيروس كورونا المستجد انتهى، وما يستجد من فيروسات هي متحوراته وليس ذات الفيروس، مما يعني أن اللقاحات الموجودة حاليا تعمل ضد فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، علاوة على أنه لم يثبت فعاليته بنسة كاملة، فهل يصلح لمتحورات فيروس كورونا الحالية والمستقبلية، علما بأن الوصول إلى لقاحات ذات فعالية مؤكدة النتائج والمفعول يأخذ سنوات طويلة من البحث العلمي، كما حدث منذ أزمنة طويلة مع أمراض الكوليرا، وشلل الأطفال، والجدري، والسل، والحصبة وغيرها من الأمراض التي استهدفتها المختبرات ومراكز البحث العلمي لتخليق اللقاح المناسب لها.
إذن، ما علينا اليوم هو البحث عن الطرق المثلى للتعامل مع عصر الأوبئة، والاستعداد لاكتشاف العديد من الفيروسات وغيرها في المستقبل والتكيف مع هذه الأوضاع الجديدة. أما العودة إلى تمنيات ودعوات البعض إلى الغلق وإيقاف الحياة، لم يعد مقبولا أو مجديا، فحياة الناس وأرزاقهم مرتبطة بالخروج إلى أعمالهم وتحصيل ما يعينهم على أعباء الحياة، ومن يمتلك الرفاهية التي تمكنه من البقاء في بيته فليغلق هوعلى نفسه ويترك الحياة لأحيائها.
وهنا يأخذني المعنى الأوسع لمفهوم “الوباء” ليمتد أننا حقا أصبحنا نعيش في “عالم الوباء” بكل أنواعه، فهناك الوباء السياسي، والوباء الاقتصادي، والوباء الأخلاقي.. فعالم السياسة أصبح أكثر خداعا، وعالم الاقتصاد تغول وتوحش ولم يعد هناك مكانا للضعيف والحرب الاقتصادية بين الدول الكبرى على أشدها.
وعن الأخلاق، حدث ولا حرج بعد أن تدنت لدى الكثيرين وهبط الذوق العام بين مختلف طبقات المجتمع.
ولمحاربة تلك الآفات علينا الاستعداد للتأقلم والعيش في “عصر الأوبئة”.