فجع المسلمون يوم الثلاثاء الماضي بمذبحة جديدة لمسلمي أفريقيا الوسطى، فتحت الباب لمزيد من المذابح التي تنفذها الميليشيات المسيحية المتطرفة، المعروفة باسم “أنتىي بلاكا”، راح ضحيتها 150 من المسلمين بلا ذنب أو جريرة سوى أنهم مسلمون، في بلاد تركت الحبل على الغارب لقتل غير المسيحيين، في ظل مجتمع دولي هش إلى درجة التواطؤ، حين يكون الدم المراق مسلماً.
الجريمة التي جددت آلام المسلمين، الذين يتعرضون منذ العام 2014 م، لمذابح وصفها الأزهر بالــ “دموية” والــ “بربرية”، وقعت داخل مسجد في قرية دمبي (جنوب شرق) الثلاثاء الماضي، ثم تلتها مذبحة أخرى في حي الكيلو متر 5، في عاصمة أفريقيا الوسطى بانجي، غداة يوم حداد شهده الحي ذو الأغلبية المسلمة، احتجاجاً على مذبحة المسجد. وبحسب عبد الرحمن بومو المتحدث باسم لجنة الحكماء بحي الكيلومتر ٥، فإن “الضحايا كانوا في المسجد عندما قامت ميليشات الأنتي بلاكا (المسيحية) باقتحامه، وقتلت ما لا يقل عن 20 مصلي”.
وقد أدى التراخي الدولي في التعاطي مع المذابح المسيحية ضد مسلمي أفريقيا الوسطى إلى تكرارها وتفاقمها، إذ اكتفت الأمم المتحدة بمجرد التحذير من مخاطر “مذبحة”، بحق آلاف المسلمين على يد مليشيات مسيحية، تستهدفهم في جمهورية أفريقيا الوسطى. وساهمت وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، عند تفجر الأحداث العام 2014 م، في إجلاء نحو 19 ألف مسلم من مناطق قرب العاصمة بانجي، وقد هرب نحو 16 ألف مسلم من منازلهم في بانجي، وسط تصاعد لأعمال العنف.
وانفلت الوضع الأمني في أفريقيا الوسطى، بعدما أسقط متمردون يعرفون باسم “سيليكا” الرئيس فرانسوا بوزيزي في مارس 2013 م، وتواصلت أعمال العنف على الرغم من نشر ستة آلاف جندي تابعين للاتحاد الأفريقي، و 2000 جندي من القوات الفرنسية في البلاد. وأخذ النزاع طابعاً طائفياً، إذ حذرت المفوضة الأممية لحقوق الإنسان نافي بيلاي من أن الكراهية بين المسلمين والمسيحيين في جمهورية أفريقيا الوسطى، بلغت “مستوىً مخيفاً”، وينتشر الخطر في مناطق أخرى من البلاد، منها مدن كارنو، وبيربيراتي، وبودا، وبوسانجوا، التي تحاصرها المليشيات المسيحية المعروفة باسم “أنتي بلاكا”.
وقد أصدرت عدة منظمات إسلامية بيانات إدانة وتنديد بالمذابح، التي يتعرض لها المسلمون في أفريقيا الوسطى، ومنها منظمة “التعاون الإسلامي” والأزهر، واتحاد علماء أفريقيا الذي قال إن : “ما يتعرض له المسلمون في أفريقيا الوسطى من إبادة جماعية، يذكر بما تعرض له التوتسي في رواندا، وهو ما يعد عاراً في جبين الإنسانية، وهذا الوضع إذا لم يتم تداركه عاجلاً، فقد ينذر باتساعه والتسبب في حروب ذات طابع ديني وعرقي في المنطقة كلها؛ فتزداد المعاناة في القارة المنكوبة أصلاً بمآسيها”.
ويتعرض المسلمون منذ ذلك الوقت لهجمات المليشيات المسيحية، وهو ما دفع بهم إلى الهروب من منازلهم، وهاجر بعضهم إلى الدول المجاورة مثل الكاميرون وتشاد، وفي فبراير 2016 م، شهِدت أفريقيا الوسطى إجراء الانتخابات الرئاسية، والتي انتهت بفوز فوستان اركانج تواديرا (آخر رئيس وزراء للرئيس السابق فرانسوا بوزيزي، الذي أُطيح به العام 2013 م). يذكر أن جمهورية أفريقيا الوسطى دولة حبيسة في وسط أفريقيا؛ من حيث الجغرافيا، تقع تشاد في شمالها، والسودان في الشمال الشرقي، وجنوب السودان في الشرق، والكونجو الديموقراطية والكونجو في الجنوب، والكاميرون في الغرب، وتبلغ مساحتها حوالي 620 ألف كيلومتر مربع، ونسبة المسلمين بها تقدر بحوالي من 20 في المائة من السكان البالغ عددهم 4.6 مليون نسمة.