>> السياسة الجديدة لمواجهة النفوذ الصيني والروسي
>> “بلينكن”: نريد شراكة حقيقية مع أفريقيا.. ولا نرغب في تجاوز القوى العالمية الأخرى في القارة
>> “واشنطن”: تعتمد أساليب غير عسكرية ضد الإرهاب
>> الولايات المتحدة تراعي الأهمية السكانية المتزايدة لأفريقيا ومواردها الطبيعية وثقلها في الأمم المتحدة
>> الاستراتيجية الجديدة يمتد العمل بها إلى خمس سنوات
أحمد سليمان:
تتحرك الولايات المتحدة على أكثر من جبهة في مواجهة النفوذ الروسي والصيني مثقلة بمشاكل داخلية وخارجية، لكنها مصرة على أن تكبح تمددا تعتقد أنه يشكل خطرا على مصالحها.
وكشفت واشنطن عن إعادة صياغة شاملة لسياستها في إفريقيا جنوب الصحراء حيث تعتزم مواجهة الوجود الروسي والصيني وتطوير أساليب غير عسكرية ضد الإرهاب.
تتزامن هذه الإستراتيجية الجديدة التي تأخذ في الاعتبار الأهمية السكانية المتزايدة لإفريقيا وثقلها في الأمم المتحدة بالإضافة إلى مواردها الطبيعية الهائلة وفرصها، مع بدء وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن جولته الإفريقية الثانية التي تقوده إلى جنوب إفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا.
ويأتي هذا التحول أيضا في وقت يؤكد فيه البعض على أن تركيز الولايات المتحدة على محاربة الجماعات المتطرفة في إفريقيا عسكريا لم يحصد نتائج كبيرة.
وتؤكد الوثيقة التوجيهية الجديدة التي تم الكشف عنها، مؤخرا، أن “للولايات المتحدة مصلحة كبيرة في ضمان إبقاء المنطقة مفتوحة ومتاحة للجميع، وأن الحكومات والشعوب يمكنها بنفسها اتخاذ خياراتها السياسية”.
وأضافت “أن مجتمعات مفتوحة تميل عموما إلى العمل بالتنسيق مع الولايات المتحدة وجذب المزيد من التبادلات التجارية والاستثمارات الأمريكية ومواجهة الأنشطة الضارة لجمهورية الصين الشعبية وروسيا والجهات الأجنبية الأخرى”.
والوثيقة التي تحمل عنوان “إستراتيجية الولايات المتحدة تجاه إفريقيا جنوب الصحراء” تعرض بالتفصيل أربعة أهداف تمتد لخمس سنوات: دعم المجتمعات المفتوحة وتقديم مكاسب ديمقراطية وأمنية والعمل على الانتعاش بعد الجائحة وإتاحة الفرص الاقتصادية ودعم الحفاظ على المناخ والتكيف معه والتحول المنصف للطاقة.
وتشير الوثيقة الأمريكية كذلك إلى ادعاءات البيت الأبيض ضد بكين وموسكو في إفريقيا. وتعتبر أن الصين تتصرف فيها وكأنها “ساحة لتحدي النظام الدولي القائم على قواعد ولتعزيز مصالحها التجارية والجيوسياسية الخالصة ولإضعاف علاقات الولايات المتحدة مع الشعوب والحكومات الأفريقية”.
أما بالنسبة لروسيا، فهي “ترى أن المنطقة تمثل بيئة مستباحة للشركات شبه الحكومية والعسكرية الخاصة وغالبا ما تخلق حالة من عدم الاستقرار لكسب مزايا إستراتيجية ومالية”، وفقا للوثيقة الأمريكية التي تشير أيضا إلى استخدام “المعلومات المضللة”.
وبينما يعبر حوالي 70 بالمئة من الأفارقة عن دعمهم الحازم للديمقراطية، إلا أن عدد ما يسمى بالدول الحرة تقلص إلى ثمانية، وهو رقم لم يكن منخفضا إلى هذا الحد منذ ثلاثين عاما.
وتقترح الوثيقة بذل جهود متزايدة “لوقف الموجة الأخيرة من الاستبداد والانقلابات العسكرية من خلال العمل مع الحلفاء والشركاء في المنطقة للرد على التقهقر الديمقراطي وعلى انتهاكات حقوق الإنسان”.
وأضافت أن الولايات المتحدة ستستخدم “قدراتها الأحادية”، أي العسكرية، ضد أهداف إرهابية “فقط عندما يكون ذلك قانونيا وحيث يكون التهديد أكثر حدة”.
والهدف من ذلك هو إعطاء الأولوية “للمقاربات التي يقودها المدنيون حيثما يكون ذلك ممكنا وفعالا”.
وغالبا ما كان اهتمام الولايات المتحدة بإفريقيا لا يطغى على أولوياتها وتأمل الإدارة الأميركية في تغيير سياستها. ومن المقرر عقد قمة أميركية إفريقية في 13 ديسمبر/كانون الأول في واشنطن.
وأعلن بلينكن خلال زيارة إلى بريتوريا أن الولايات المتحدة تريد “شراكة حقيقية” مع إفريقيا، مؤكدا أن بلاده لا ترغب في “تجاوز” نفوذ القوى العالمية الأخرى في القارة.
وقال خلال مؤتمر صحفي إلى جانب نظيرته الجنوب إفريقية ناليدي باندور “نتطلّع قبل كل شيء إلى شراكة حقيقية بين الولايات المتحدة وافريقيا. لا نريد علاقة غير متوازنة”.
كان “بلينكن” قد وصل إلى جنوب إفريقيا، المحطة الأولى من جولته في القارة الافريقية التي من المقرر أن تضم كينشاسا وكيجالي، ليتحدث عن رؤيته الإستراتيجية للقارة خلال خطاب في جامعة بريتوريا.
وتهدف الزيارة إلى محاولة تقريب جنوب افريقيا دبلوماسيا من المعسكر الغربي والتصدّي للنفوذ الروسي في القارة، وفق العديد من الخبراء. كما تأتي بعد وقت قصير من زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى افريقيا في نهاية يوليو، والتي شملت الكونغو وأوغندا ومصر وإثيوبيا.
لكن بلينكن أكد أن واشنطن لا ترى المنطقة على أنها “آخر مكان للمنافسة بين القوى العظمى”، مشددا على أن “هذه ليست الطريقة التي نرى بها الأشياء بشكل أساسي. هذه ليست الطريقة التي سنعمل بها على تعزيز التزامنا هنا”، مضيفا “إن التزامنا بشراكة أقوى مع إفريقيا لا يتعلق بمحاولة التفوق على أحد”.
وغالبا ما احتلّت إفريقيا مرتبة متأخّرة على سلم أولويات الولايات المتحدة، إلّا أنّ الإدارة الأمريكية تؤكد أنها تريد تغيير هذه الديناميكية.
وقال بلينكن “اليوم ليس تتويجا لشراكتنا ولكنه بداية فصل جديد. الرئيس بايدن يتطلّع إلى لقاء الرئيس (جنوب الإفريقي سيريل) رامافوزا في واشنطن الشهر المقبل”، قبل قمة أمريكية-إفريقية من المقرّر عقدها في 13 ديسمبر في واشنطن.
واختار بلينكن التوقّف في جنوب إفريقيا في محطته الأولى، في ظلّ اعتمادها موقفا محايدا من الغزو الروسي لأوكرانيا ورفضها الانضمام إلى الدعوات الغربية لإدانة موسكو.
وفي هذا الصدد، أعربت باندور عن أسفها لخطابات “الترهيب المتعجرف” الصادرة من عدّة دول، أوروبية على وجه الخصوص، في ما يتعلق بموقف جنوب إفريقيا من الصراع كما شكرت واشنطن على تجنّبها هذه اللهجة.
بدوره جدّد بلينكن أسفه لانسحاب الصين أخيرا من الحوارات الثنائية المهمّة حول المناخ، في إطار التوتر حول تايوان، مشيرا خلال مؤتمر صحفي إلى قرار “مؤسف للغاية” و”يعاقب العالم بأسره”.