من التطوّرات المفاجئة أنْ يتوصّل “كونفوشيوس” الصيني إلى تحقيق إتفاق التقارب بين الثنائي : السعودي – الإيراني .
ومن المقاربات الشيِّـقة أنْ يُعلن رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط مغـرِّداً : أنَّ حزبَـهُ لَـهُ فـرعٌ تاريخي في الصين وأنّ تنّـين الموحِّدين كانت لـه اليد الطولى في تحقيق التوحيد في هذا الإتفاق .
ولأنّ تنّـين الصين يرمـز إلى السلطان والحـظّ الطيِّـب ، فهل يخرج رئيس جمهورية لبنان متقمِّصـاً من بطـنِ التنّـين الصيني ، كمثل ما خـرج النبي يونس من بطـنِ الحوت …؟
أول ما يلفتُـنا في هذا الإتفاق هو أنّ التوجّـه شرقاً في هذا المجال يصبح أمـراً مستحبّاً .
أمّـا عن المحتوى ، فنترك لطوالع الأيام أن تكشف انعكاساته على الصعيد الإستراتيجي الدولي ، وما إذا كان يعني تقليص القبضة الأميركية عن أمـن الخليج ، وما إذا كان يشكل “هدنة موقّتة نتيجة عـدم جـدّية الإلتزام بالبنود” كما قال رئيس جهاز الأمن القومي “جـون كيلي” .
أو هو محصّنٌ بضمانة الصين التي تحاول نتيجة فشل الدبلوماسية الأميركية أنّ تحتلّ مكانة متقدمة في منطقة الشرق الأوسط في مواجهة القطب الأميركي المنفرد .
إنها انطباعاتٌ تحمل في طيّاتها تباشير انفراج ومحاذير انفجارٍ معاً .
ولكن ، ما يعنينا نحن اللبنانيين من هذا الإتفاق ، بـما يرتّـد منه علينا وما يعود من أمـل إلينا في حال ثبوته واستقراره واستمراره .
أولاً : إنّ هذا التقارب السعودي – الإيراني من شأنه أن يلملم ما تمزّق في المنطقة عبر المواجهات العسكرية الدامية ، وإنّ تبريد الجبهات الإقليمية الساخنة ينعكس بـرداً وسلاماً على لبنان .
ثانياً : بمجرد أنْ يتضّمن الإتفاق “تأكيدهما” على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية ، يكون لبنان أبـرز المستفيدين وقد أضحت ساحته منبـراً لتشابُك الصراعات الدولية ومختبراً لنزاعاتها .
تلاحظون : إنّ كلمة “تأكيدهما” على عدم التدخل في شؤون الدول الداخلية تحدّدتْ حصراً بتوقيع السعودية وإيران ، فيما توقيع الصين في الإتفاق يتناول : “بـذل الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي” .
ثالثاً : إنّ الصراع الإيراني – السعودي يرتدي موروثاً تاريخياً ، وإنّ لكلٍ منهما امتداداً في لبنان بين مكوِّنين أساسيين ينفعلان بـه ويتفاعلان فيه .
رابعاً : إن مئات اللبنانيين يعملون في دول الخليج ، يبْـنون ويَجْنون ، يعايشون بالموّدة ويتعيَّشون ، ومثلما أنّ التعاطف الإيراني يبـدّد الهاجس الإنقسامي في لبنان ، فإن التعاطف الخليجي من شأنه أن يعـزّز فـرص النمو ويبـدّد الواقع الإقتصادي والمالي الذي رزح لبنان تحت أنقاضه .
خامساً : إنّ تنفيذ بنـود هذا الإتفاق يمهّدُ ما تمنّـاه وزير الخارجية السعودي في قولـه : “بأنّ لبنان يحتاج إلى تقارب لبناني – لبناني ، وليس إلـى تقارب سعودي – إيراني ، وعليه أنْ يقـدّم المصلحة اللبنانية على أي مصلحة أخرى” .
يبقى … أنّـه لم يبـقَ من أَطْـلالِ المصلحة الوطنية إلاّ هذا الإستحقاق الرئاسي المُـداهِم ، فهل نستطيع من خلال هذا المناخ الإقليمي أن نحقّـق التقارب اللبناني – اللبناني لانتخاب رئيس للجمهورية أو أنّـهُ سيظلُّ رهينةَ الكائنِ الأسطوري الذي يُعرف بتنّـينِ الصين …؟
*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.