صلَّى وصامَ لأمـرٍ كان يطلبُـهُ فلمّا انقضى الأمرُ لا صلَّى ولا صامَا. فيما شاء التوقيت السماوي أنْ يجمعَ ديانات السماء موحَّـدةً في ساعة صـلاة وصيام.
شاء التوقيت السياسي في المقابل ، وبفارقِ ساعة واحـدة أنْ يعـرّض أهل الأرض لمزيـدٍ من الإنقسام ، حتّى كدنا نصلّي على قيامـةِ لبنان ونسلّم.
وإذا كان الرجوع عن الخطأ فضيلة ، فإنَّ عاشق الحكم ليس كشاعر الحـبّ يكتب ويمحـو ساعة يحلـو لـهُ ، على ما يقول الأخطل الصغير :
كعاشقٍ خـطّ سطراً في الهـوى ومحَـا.
في الحكم ، ساعـةٌ واحدة تكشف مسيرةَ عهـد …
وفي السياسة صفحةٌ واحدة تسوّد وجـهَ كتاب …
وبين ساعةٍ متقدمة وساعة متأخّـرة ، لم نعد نعرف على أيّ ساعـةٍ نعيش ، وعلى أيِّ ساعـة نموت ، على التقويم الشمسي أو على التقويم القمري ، ما دامت الساعة التي تنتصب في ساحة البرلمان تُـدعى ساعة العبـد ، وعلينا أنْ نبقـى عبيداً لساعة العبـدِ التي تنتصبُ في ساحة البرلمان.
أمّـا بعد ، فمتى يـأذنُ رقّـاصُ الساعة البرلمانية بانتخاب رئيس جمهورية للبنان “وقد بات في وضـع خطيرٍ للغاية”، كما أعلنت بعثـة صندوق النقـد الدولي ، “وأتعس بلـدٍ في العالم” حسب تقرير مـؤشِّر السعادة العالمي …؟
على أنْ هذا الإستحقاق يتأرجح اليوم رهيناً بين خلوتين : خلوة دستورية ، لا تحتمل الإنتظار ، لعـلّ البرلمانيّـين فيها يستوحون من شهر الصـوم المسيحي – الرمضاني ، معاني الرحمة والغفران والتوبـة والإيمان ، فيصوموا عن الخصام والصدام والسافل من الكلام ويتخلّوا عن الصـوم الرئاسي.
وخلوة روحية : للتأملّ والصلاة تجمع التلاميذ في علّيـةِ “بيت عنيـا” – حريصا ، لعلّهم يتّـفقون على رأيٍ من دون أن يبصروا المسامير في يـدّي المسيح ليؤمنـوا.
في خلـوة الصلاة هذه ، هل يقول البطريرك بشارة الراعي للتلاميذ بلسان المسيح “الصلاة تقوى لا ثـرثرة :” “وبيت عنيـا” بيت الصلاة يُدعى …؟
وهل يقول بلسان إرميا النبي : “الشرّير بفَمـهِ يكلّم صديقه بالسلام ولكنّه ينصبُ لـه الفخاخ سـرّاً ” …؟
وهل يتدخل الـروح القدس في خلوة “بيت عنيـا” ليصبح الإستحقاق الرئاسي مستحقّـاً ومستأهلاً أن يدخل تحت سقف بيـت الشرعية ، أوْ أنّ البخور الذي يُستخدم للعبادة سيظلّ مسخّراً لتبخـير آلهـة اللحم …؟
لأن الإستحقاق الرئاسي أصبح لاجئـاً غير شرعي لدى الـدول الخارجية ، فإنني أدعو الرئيس نبيـه بـرّي إلى تعيين جلسة إنتخابية ، يتلو فيها خطاب قسمٍ نيابي بما أعلنه هو في السابع من شباط المنصرم حيث يقول : “بلغنا سـنّ الرشد الوطني والسياسي ونملك الجـرأة والقدرة والمسؤولية الوطنية والمناعة السياسة والسيادية لصناعة توافقاتنا وإنجـاز إستحقاقاتنا الداخلية والدستورية بأنفسنا :”
فإذا صـوّت النواب على هذا القسم برفـع الأيدي يرفعون معها رؤوسهم ، ويتحقّق بذلك كـلّ استحقاق دستوري ووطني ، وتصبح ساعة العبـد المنتصبة في ساحة البرلمان ساعةً سيادية.
وإلاّ ، فقد يبقى الوطـن بلا دولة ، وتبقى الدولة بلا جمهورية ، ويبقى رأس الجمهورية فارغاً ، والرأس الفارغ أحـبُّ المساكن إلى الشيطان.
*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.