>> مصر لا تقف مع أطراف.. ولكنها مع الدولة السودانية واختيار الشعب
>> قوى إقليمية ودولية فاقمت الأزمة بحسب مصالحها
>> لم تفلح محاولات “الأمم المتحدة” و”الرباعية الدولية” للتوافق بين المكونين المدني والعسكري
>> الدور السياسي لقوات الدعم السريع كان من أسوأ بنود الاتفاق الإطاري
>> “حميدتي” نجح في نسج علاقات دولية متعددة نتيجة احتكاره لمعظم إنتاج الذهب في السودان
>> البعد الدولي واضح في الصراع خاصة في ظل التنافس بين أمريكا والصين على القارة الأفريقية ووجود قوات “فاجنر” الروسية
روشتة الحل:
– جيش وطني خالٍ من أي دور سياسي.
– دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية أو حلها لمنع الازدواجية العسكرية.
– رؤية جديدة لمعالجة الأزمة السياسية.
– دور أكبر لقوى المجتمع المدني في الاتفاق الإطاري.
تحول السودان بين ليلة وضحاها إلى ساحة حرب داخلية ليس للشعب السوداني ناقة فيها ولا جمل، الشعب الذي استيقظ في شهر رمضان الماضي على صوت الانفجارات وطلقات الرصاص تدوي في أنحاء العاصمة، وبدلاً من الاستعداد لاستقبال العيد، استقبل العالم العربي السودانيين الذين يبحثون عن مكان آمن بعيداً عن القصف والدمار الذي حول معظم أنحاء العاصمة إلى حطام.
حول الصراع الدائر في السودان بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الشهير بـ”حميدتي” وأسبابه وتداعياته أجرت “العربي الأفريقي” هذا الحوار مع السفير صلاح حليمة مساعد وزير الخارجية السابق، ونائب رئيس المجلس المصري للشئون الأفريقية، والتفاصيل في السطور التالية:
• برأيك، ماذا وراء هذا الصراع وحقيقته؟
هذه الحرب هي في جوهرها صراع بين أطراف سودانية كانت في بدايتها بين المكون المدني والمكون العسكري ثم تحول إلى صراع بين الداخل المدني وصراع بين الداخل العسكري، علاوة على أن هناك دول سواء كانت من دول الجوار أو قوى إقليمية أو دولية كان لها دور في هذا الصراع بحكم مصالحها، والصراع في حد ذاته قائم حول السلطة والثروة والنفوذ من كافة المكونات سواء من القوى الداخلية أو القوى الخارجية.
وهناك خلفية لا بد أن نرجع إليها وهي، أنه منذ اندلاع الثورة عام ٢٠١٩ والتي كانت تحمل شعار الحرية والعدالة والسلام، وقد تم الاتفاق بين المكون المدني والعسكري على شراكة مدنية عسكرية للحكم لفترة مؤقتة على أن يتم تسليم الحكم إلى سلطة مدنية بعد انتهاء الفترة الانتقالية عبر انتخابات نزيهة، ولكن حدث في شهر أكتوبر ٢٠٢١ انقلابا من جانب المكون العسكري الذي سيطر على السلطة بمفرده قابله تذمر شعبي من جانب بعض القوى المدنية.
• ولكن هناك تدخلات من جانب منظمة الأمم المتحدة لتهدئة الأمور وحلحلة الأزمة.
لم تفلح جهود الأمم المتحدة وكذلك مساعي الرباعية الدولية المكونة من السعودية والإمارات وبريطانيا والولايات المتحدة للوصول إلى توافق بين مكونات المجتمع المدني والعسكري، لذلك صدر الاتفاق الإطاري بين قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري للاتفاق على تشكيل هياكل السلطة الانتقالية، ولكن كان هناك بعض القضايا العالقة التي كانت محل خلاف شديد ومن أهمها عملية الإصلاح الأمني والعسكري؛ حيث أن معالجة هذه المسألة كانت من أبرز عيوب الاتفاق الإطاري الذي ترك السلطة العسكرية مقسمة بين قوتين فقد جعل الاتفاق قوات الدعم السريع هيئة مستقلة لها دور سياسي وتابعة لمجلس الوزراء وليس للقوات المسلحة، وهذا الوضع أسفر عن صراع بين قوتين عسكريتين وفي النهاية أدى الي الحرب التي نشهدها اليوم.
• كيف ترى الدعم الخارجي لطرفي الأزمة؟
لا شك أن قوات الدعم السريع لها وضع في المكون العسكري وأصبح لديه إمبراطورية سياسية اقتصادية وعسكرية وله علاقات متشابكة مع قوي إقليمية ودولية من خلال قدرته الاقتصادية في تجارة الذهب لأنه يحتكر معظم إنتاج الذهب في السودان، ومن خلاله أقام علاقات دولية بصفة خاصة مع روسيا وبعض الدول العربية في المنطقة وبعض دول الجوار في أفريقيا.
على الجانب الآخر يحظى قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بدعم شرعي بحكم وضعه الشرعي كرئيس للمجلس السيادي، فهو يمثل رئيس الدولة، بينما “حميدتي” كان نائباً له وبالتالي عندما حدث هذا الصدام اعتبرت قوات الدعم السريع قيادة متمردة باعتبار أنه يجب دمج هذه القوة العسكرية في القوات المسلحة السودانية.
• معروف أن السودان تمثل العمق الاستراتيجي لأمنها القومي من بوابة الجنوب.. برؤيتك، كيف يؤثر هذا الصراع تأثيرعلى مصر وأمنها القومي؟
مصر ليس لها مصالح مع أطراف وإنما هي مع الدولة السودانية والمصالح القوية المشتركة التي تتعلق بالاعتبارات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن رابطة مياه النيل والموقع الجغرافي ويدخل في هذا الإطار أيضاً موضوع الأمن المائي.
بالإضافة إلى أزمة الشعب السوداني ونزوحه جراء الاشتباكات المسلحة التي تعد من أبرز المظاهر التي تدعو إلى القلق والخوف من تطور الصراع إلى حرب أهلية مما يمثل تهديد لوحدة السودان وتفكيكه ويمكن أن تكون هناك توجهات انفصالية وهذا كله له تأثير اقتصادي وأمني على مصر، ولكن مصر تعمل على مساندة خيارات الشعب السوداني وترى أن مثل هذا الصراع يجب أن يحل من خلال عملية سودانية سودانية دون تدخل أطراف خارجية.
• كيف ترى البعد الدولي في هذه الأزمة؟
هناك بعد دولي خلف هذا الصراع، خاصة في ظل التنافس بين الصين وأمريكا على القارة الأفريقية، والسودان هنا تمثل أهمية خاصة بحكم موقعها الجغرافي العربي والأفريقي، فضلا عن ثروات السودان الضخمة في المجال الزراعي، والإنتاج الحيواني، والتعدين وخاصة تعدين وإنتاج الذهب بكميات ضخمة جداً وكذلك ما لديها من مخزون يورانيوم.
بالإضافة إلى تواجد قوات “فاجنر” الروسية في السودان وهذا يثير قلق الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية التي لها مصالح في السودان وتخشى على القواعد العسكرية الدولية المتواجدة بالبحر الأحمر.
• إذن، ما هو السبيل لحل هذه الأزمة؟
في تقديري الشخصي يجب أن تكون هناك جهودا لوقف إطلاق النار ووضع مراقبين للفصل بين القوات ودفع جميع القوات للعودة لثكناتها وإقامة جيش وطني موحد خالي من أي دور سياسي ودمج قوات الدعم السريع داخله أو حلها لمنع الازدواجية العسكرية.
وإن تكون هناك رؤية جديدة لمعالجة الأزمة السياسية وأن يكون لقوى المجتمع المدني دور أكبر في الاتفاق الإطاري؛ بحيث يكون هذا الإطار شاملا لكافة مكونات المجتمع المدني أو على الأقل أغلبها، ويجب أن تتسع الآلية التفاوضية والسياسية لوجود الجامعة العربية والتي تشمل دول الجوار الأكثر تأثراً بالأزمة مثل مصر وجنوب السودان.