أعرفُ أنَّ عنوان هذا المقال يستثير المشاعر السياديَّـة وبعض الثنائيّة حتى الغضب .
ولكن ، أرجو أنْ يأخذنا بحلْمِهم السياديّون والإصلاحيّون والمعارضون والثنائيّون و”التيّارون” .. وقد طـار كـلُّ شيءٍ في لبنان ، حتى أصبحت القبائل تتقاتل على العشب والمـاء .
أسارع إلى القول : إنني ، وعند سقوط الوعود ، أحاول مع “محامي الشيطان”، أنْ أجـدَ منفذاً لاختراق الجمود ، ولا أدعو السيادييّـن إلى انتخاب سليمان فرنجيـة ، فلا مجال لأن يرشقني أحـدٌ منهم بالحِـرمِ الكنَسي .
أنا أيضاً مواطنٌ سيادي متحرّر من التبَعيِّـةِ الطائشة لأيّ زعيم سيادي أو مذهبي ، وأختزن في نفسي ولاءً طوباويّاً للوطن ، وإنّ أخمصَ أقـدامِ لبنان عندي في مستوى كلّ تيجان الدنيا وملوكها .
ولكنني مواطن مهدّدٌ بأزمة وجودّيـة في وطـنٍ حطَّمتْـهُ تفاهةُ قوانين العقل عند الحكام والقيادات ، فأصبحتُ كمَنْ يترنّح مرعوباً وسط ساحةٍ حمراء ، يتبادل فيها قراصنةُ السياسة تراشقَ الرماح الهـوج ، وتتساقط النصالُ على جراحاتنا .
في نظرةٍ متعمِّقـةٍ إلى حـال البلاد ، بما يتحكّم فيها وبها ومن حولها من رهانات مشبوهة ، وبما تعاني من فوضويّـة دستورية وشراسة انقسامات تـؤدّي إلى تراكُم الفراغات ، وفي ظـلّ ما يسود من بهْرجةٍ دولية باطلة حيال شؤوننا المصيرية ، فإذا الدعم الدولي كمثل من يتبّرع للصحراء بالرمل .
فإنَّ هذا الواقع على مرارتهِ وغرابته وتعقيداته قد يتيح الفرص أمام مرشَّحينِ رئاسيّـين .
ما دام الهاجس الذي يقضّ مضاجع السياديّـين هو : سلاح المقاومة ، والزحفُ البشري السوري نزوحاً ، ولا سيما بعد قـرار البرلمان الأوروبيّ الأخير ، فمن الراجح ألاّ يستطيع أحـدٌ أن يتصّدى لهذا الموضوع كمثل ما يستطيع حيالـهُ سليمان فرنجية .
ولأنّ سليمان فرنجية متّهم بالجنوح السوري ومفتونٌ بالمقاومة فإنّـه بالممارسة كرئيس للجمهورية سيحاول تحرير نفسه من هذا الإتهام .
هي تلك المضادّة الذاتية التي يصفها علم النفس برغبة المعاكسة ، كمثل المسيحي أو المسلم الذي يتزوج إمـرأةً من غير دينـه ، فترى كلاّ منهما في وسطه الإنتمائي أكثر تشدّداً بطقوس الإيمان مخافـة اتّهامـهِ بالبرودة الدينية .
ولا إخـال آل فرنجية يضحّون بالمصير الوطني في سبيل المسيرة السياسية ، الرئيس سليمان فرنجية الذي كان على علاقـة وطيدة بالرئيس حافظ الأسد ، حين أدرك أنَّ جموح المنظمات والمعسكرات الخارجية تكاد تطيحُ لبنان ، إنحاز إلى جانب الجبهة اللبنانية .
في مجال الترجيح أصـوّب على قائد الجيش ، ولا أدعو أيضاً بعض الثنائي إلى انتخابه ، أنا أعرف العماد جوزف عـون ، ولم يكن لـي معه أيُّ لقـاءٍ أو اتصال ، ولا يجمعني بـه إلاّ التشابُـه بالإسم الأول .
أقول قائد الجيش ، ومع أنـه يتمتّع بنسبة من التأييد قد يتفوّق بها على سواه ، فـإنّ لبنان بما هو عليه اليوم أكثر ما يحتاج إلى رئيسٍ قـادرٍ على أنْ يحقِّـق في مجال الأمـن ومطاردة الفساد بما يتفوّق بـه على غيره .
يشهد الكثيرون للجنرال … جوزف عـون ، بأنّـه واجَـهَ عراقيل سياسية وأمنية دقيقة ، استطاع أنْ يتخطّاها بمعادلات متوازية ، فما أرخى بضعفٍ حيث يجب أنْ يشـدّ ، وما شـدّ بعنفٍ حيث يجب أنْ يُرخي .
أنا ، لا أدّعي أنني أبتكر حـلاًّ ، ولكنّه الممكن المتيسّر حيال الأفضل المتعسِّر ، لأنّ أيَّ شخص إذا ما أُكرهتِ القيادات للموافقة عليه فلن يستطيع أنْ يحكم ، وفي الماضي القريب كثيرٌ من الأمثلة والشواهد ، أبرزها انتخاب الرئيس رينيـه معّوض .
في لبنان كوكبةٌ من الطاقات والمهارات والرجالات ، ضـاق بهم الوطن فأبدعوا في أوطان الآخرين ، تستبعدهم هذه المنظومة الطاغية لأنّ في وصولهم استبعاداً لها .
لعـلّ الزمان يُنصفُ لبنان أخيراً برجالٍ ينتشلون إنقاذَه وينهض على أيديهم مجـدُه المغيّب . *كاتب المقال: وزير لبناني سابق.