في غضون أسبوعٍ وبعضِ الأسبوع ، إنهالتْ علينا الأحداث متواليةً ، بما كاد يهدّد ما تبقّى من هياكل الدولة المتصدّعة .
فماذا تنتظرون ، والدولة رجـلٌ مريض والجمهورية مقطوعةُ الرأس ، إلاّ أنْ يستمرّ القتل والإقتتال والإغتيال والجُـرمُ واللّعب بالـدم .
قبل انتظام الحكم في غـرب الولايات المتحدة ، كان على الناس أن يتدجَّجوا بالسلاح ، فكلّما بـرزت مشكلة عالجوها بإطلاق النار ، لأنهم لم يجدوا بديـلاً قانونياً ، ولـمّا انتظم حكـمُ الدولة سقط حكـمُ المسدسات وأخـذ الناس يعالجون أمورهم أمام المحاكم العدلية لا المحاكم القتالية .
وما لم ينتظم حكـم الدولة عندنا ، ستظلّ كـلُّ مشكلة تُعالج بالأمن الفالت ، ويصبح كـلّ استحقاق دستوري مشكلةً وطنية ، وتتحوّل اللعبة الدستورية إلى متاريس ، فنقع في الفراغ .
ولأنّ الفراغ يطرح مشكلة أمنية ، يصبح كـلُّ فـراغٍ مرتبطاً بجنرال … هكذا كان الفراغ قبل ولايـة الرئيس إميل لحـود وبعدها ، وقبل ولايـة الرئيس ميشال سليمان وبعدها ، وقبل وبعد ولايـة الرئيس ميشال عـون .
الرئيس ميشال عـون ، هو أول من تنبَّـأ بالفراغ الرئاسي من بعـده حين قال : “ليس هناك من مؤهّـل لرئاسة الجمهورية ، وجبران باسيل ليس مرشحّاً ..”
كيف إذاً يكون الخلاص ما دام جبران غير مرشّح …
وكيف يكون الخلاص ما دام أهـل السياسة والرئاسة عندنا قد أسقطوا لبنان من لائحـة الإهتمامات الدولية ، فإذا قـادة العالم العربي والعالم الخارجي يما يتحلّون من عفّـةٍ وبـراءة ، لا يتدخّلون في شؤون لبنان الداخلية : لا برئاستهِ ولا بسيادتهِ ولا بسياسته ، مع أنَّ أنظارهم تتسرّب إلى غُـرَفِ النـوم وبصيصِ الأضواء الخافتة ، وعذرُهم أنّهم يندّدون بالفضائح .
وأما لبنان الداخل فهو أشبهُ بالمناحة ومجلس العـزاء : الحكمُ تمثالٌ رمزي ، والأقطاب مصائب ، والنواب نوائب ، والشعب مكبّل بالأصفاد ، وكلّنا نبكي ساعةً على السيادة ، وساعةً على الشرعية ، وساعةً على الحـق المهدور والأمـن المسعور والوطن المسحور ، ولم يبـقَ إلاّ أن نسلّم مفاتيح غرناطة في الأندلس إلى “فردينان وإيزابيل” ، ونبكي مثل النساء مُلْكاً لـم نحافظ عليه مثل الرجال .
مهلاً … ولا تتعجَّبوا …
لأن الإستحقاق الرئاسي ربّما كان صعبَ المنال على المـدى المنظور ، فهناك مقترحاتٌ قد تبدو عجيبة لمعالجة هذا الإستحقاق :
أولاً : ما اقترحَـهُ الشيخ صادق النابلسي في 6 تموز المنصرم بقوله : “إذا لـم نتوصّل إلى انتخاب رئيس فإنّ أفضل وسيلة للخروج من الأزمة الداخلية هي الحرب مع إسرائيل …”
إنّها حكمة تاريخية كان يمارسها نابوليون فيعلن الحرب على إنكلترا والنمسا وإيطاليا ، كلّما شعر بانقسامٍ داخلي من أجـل توحيد الأمَّـة وتعزيز مركـز السلطة وامتصاص نقمـة الشعب .
وتصبح مسألة الحرب فيها نظـر ، بعدما قال وزير الدفاع الإسرائيلي : “إن إسرائيل مستعدّة لإعادة لبنان إلى العصر الحجري …”
ثانياً : أنْ ننتخب رئيساً حديثَ الولادة بحيث يكون حيادياً ، لم تتلطّخ يـداه بعيبٍ أو دنسٍ أو فساد ، هكذا تُـوِّجَ الملك الفرنسي “جيمس السادس” إبن ماري ستيوارت ملكاً على إنكلترا (1567) وكان عمـره ثمانية أشهر ، وما هـمّ أن يتولى الحكم باسمه أربعة أوصياء ، ما دام الحاكم عندنا يتولى الحكم باسمه أربعة أوصياء وأكثر .
ثالثاً : أنْ ننتخب الرئيس بالقَرْعة : مع أنـه : “من السُخْفِ انتخاب الحكام بالقرعة” كما يقول سقراط .
رابعاً : أن ننتخب الرئيس بواسطة الذكاء الإصطناعي ، في غياب الذكاء الطبيعي، إلاّ إذا اهتدى المسؤولون عندنا إلى ما أعلنه أحـدُ أثرياء كاليفورنيا في 2/4/1980 ،
وهو إنشاء “البنك المنَـوِيّ” للذكاء من حملَةِ جوائز نوبل .
وإذْ ذاك ، نصبح بألف خيـر ، لأنّ المنظومة السياسية والحاكمة عندنا متفوّقـةٌ باختلاس البنوك .
*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.