يوم رأى الشاعر الفلسطيني ابراهيم طوقان ، أنَّ القضيّة الفلسطينية تتعرّض للضياع خاطب المسؤولين الفلسطينيين قائلاً :
أنتمُ المخلصونَ للوطنيَّه أنتمُ الحاملونَ عبءَ القضيَّه
في يدينا بقيّةٌ من بلادٍ فاستريحوا كيْ لا تطيرَ البقيّه .
بلسان الشاعر الفلسطين نخاطب المسؤولين اللبنانيين … استريحوا .
لقد عرّضتم لبنان للضياع ، فلم يبقَ فيهِ إلاَّ بقيّـةٌ من وطـن ، وبقيّـةٌ من دولة ، وبقيّـةٌ من جمهورية ، وبقيّـةٌ من حكمٍ وبقيّـةٌ منْ أرض .
في لبنان ، أيضاً إحتلالات ، وضفّـةٌ غربيّة ، وضفّـة شرقية ، وفيه مظالم ومآثـم ، وأطماعٌ يهودية ، وأفرانٌ نازيّـة ، ويظلّ “هتلر” يدّعي أنّـهُ أهـمّ من المسيح ، لأنّ المسيح قتَلَهُ اليهود وهو الذي قتَلَهُمْ .
لأنهم لم يستريحوا ، أصبحت الدولة معهم شبيهةً بإآـهِ التَمْرِ الوثني في الجاهلية ، يتعبّدون لـه عند الشبَع ، ويأكلونه عند الجـوع .
ولأنهم لم يستريحوا ، أصبحت الجمهورية بلا رأس ، يتربّع على عرشها المخلّع أربعةٌ وعشرون رئيساً عجائبيّاً يحكمون باسم رؤسائهم كالخصيِّ الذي يفتخر بذكوريّةِ سيّدِه .
لأنهم لم يستريحوا ، أصبح في كل وزارة وفي كلِّ إدارة مغارة ، وهكذا في كل مرفق ومرفأ وجمرك ونفـط وكهرباء ، وفي كل مغارة يربض علي بابا .
ولأنهم لم يسترعوا أصبح بيننا وبين الأشقاء الفلسطينيين توْأَمـةٌ في اللّجوء ، وبيننا وبين الأشقاء السوريين توأَمَـةٌ في النزوح .
لم يستريحوا ، ولم يُريحوا ، يستأثرون بالحكم ، يزوّرون مفاتيح أبواب السلطة ، يحكمون بالأصالة وبالوراثة ، حتى إنّ الورَثَـةَ كما يقول “شكسبير”: “يصبحون بالوراثة أشراراً في حين أنهم غير مذنبين” .
حكموا ، ويحكمون ، كما في مجاهل العالم الثالث : بديكتاتورية النظام ، وديكتاتورية الإنقلاب ، وديكتاتورية قانون الإنتخاب ، وباسم هذه القوانين يحكمون ويتقاسمون المغانم .
وما علينا ، إلاّ أن نروّض أنفسنا حسب المثل الروسي القائل : “على الإنسان أن يعـوّد نفسَهُ على كل شيء حتى على جهنّم” ، وعلينا أن نحرق البخور أمام حكمٍ عاهر يخاطبك بالعفّـة والطهارة ويمارس سياسة الدعارة .
عندما عمل الأمبراطور الروماني “كلوديوس” تحت أُمْـرةِ القيصر ، كان يهدف إلى الإستيلاء على السلطة ، ومن أجل أنْ يظهر بمظهر العفّـة والتقشّف ، طلَّـق زوجته بحجّـة أنْ يبقى بعيداً من الشبهات ، ولكنّه في المقابل أُتُّـهمَ بالإتصال بشقيقته “كلوديا” وضاجع أختَهُ الثانية بعد زواجها .
لا … ليس صحيحاً أنّ الأمّـة لا ذاكرةَ لها ، وأنّها تنسى مَـنْ يغامر بمصيرها، بقدر ما تُنكر جميل من يخدمها .
وليس صحيحاً أنّ المشكلة في لبنان هي مشكلة نظام ، وأزمـة نظام بقدر ما هي مشكلة رجال ، وأزمـةُ رجال ، وأزمـة ولاء الرجال للوطن …
يتَّهمون النظام …؟ وكيف نتّفـق على نظام للوطن ، ما دمنا نختلف على هويّـة الوطن …؟
وإذا استطعنا أن نعدّل النظام ، فكيف نعدّل هويّـة الوطن وكيانه الحضاري …؟
كيف نتّفـق على نظام للجمهورية ، ما دمنا نختلف على انتخاب رئيسٍ للجمهورية …؟
ومع هذا … هناك مَـنْ يـدَّعي أنّـهُ مواطن ، وأنّـه وطني ، وأنّـهُ مخلصٌ للوطنية ، وأنَـهُ يحملُ عبءَ القضيّه .
أنتمُ المخلصون للوطنيّه … لا خلاص لنا معكم …
تفضلوا واستريحوا ، حتى لا تطير هذه البقيّـة الباقية من الوطن ، وتطير البقيّـه الباقية من حياتنا .
*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.