بعد وفـاة الملك الفرنسي لويس العاشر ، مُنِـحَ عرشُ البلاد لإبنـهِ الذي كان لا يزال في بطـنِ أمِّـه ، وفي انتظار ولادته وتَتْويجـهِ ، عُيِّـن فيليب الخامس شقيق الملك وليَّـاً على العرش …
وصدَقتِ النبوءَةُ ، لقد وُلِـدَ الملك بعد أشهرٍ وحمل إسم “جان الأول” .
ونحنُ ، أيِّ مولودٍ في بطنِ أمّـهِ نمنحُ الرئاسة …؟
ليس كلُّ بطـنٍ يحمل ملكاً ، وليسَ كلُّ ملك تحملُ طبيعتهُ البشرية فضائل إنسانية ، وقديماً عندما أرسل “نيـرون” الجلادَ لقتل أمّـهِ قالت أمُّـهُ للجلاد : إضربْ في البطن الذي حمل ذلك الوحش .
ما دامت الحرب على “غـزّة” بحسب الوحش الإسرائيلي قد تستمرّ طويلاً …
وما دامت الحرب على لبنان مرتبطةً بالحرب على “غـزّة” … وفي الحرب تصمتُ الشرائع …
فهذا يعني : أن الحلّ في لبنان سيظلّ معلّقاً على خشبةِ جبل الجلجة الذي يُشرف على القدس .
وفي الإنتظار ، نشترك معاً : في الحصار والنار ، والغـمّ والـدم ، والنزوح والجروح ، والدموع والجـوع ، بين جسر جـوّي يزوِّد إسرائيل بالمعّدات الحربية ، وجسر بحري يـزوّد المشرّدين الجياع بالمساعدات الغذائية ، هكذا ، كُلوا قبل أن تموتوا …
وفي هذا الكرم الغذائي يقول الشاعر الياس فرحات :
إنَّ ابنَ آدمَ لا يُعطيكَ نعجتَهُ إلاّ ليأخذَ منكَ الثورَ والجمَلاَ
لو يعلمُ الكبْشُ أنّ القائمينَ على تسمينهِ يُضمرونَ الشرَّ ما أكلا .
الشغورُ الرئاسي في لبنان بـريءٌ فيه دمُ هذا الصدّيق في “غـزة” …
قبل انتخاب الرئيس ميشال سليمان ، استمرّ الشغور الرئاسي 29 شهراً …
وقبل انتخاب الرئيس ميشال عـون استمرّ الشغور سنتين ونصف السنة … وخلال رئاسة الرئيس ميشال عـون إستمر الشغور على مدى السنوات الستّ …
وبعد رئاسة الرئيس ميشال عـون لا يزال الوراء يمشي إلى الوراء شغوراً سنةً وشهوراً ، وابْشِـرْ بطول شغور يضيع فيه الحـقُّ وليس وراءَ الحـقِّ مُطالب .
إنتخاب الرئيس لم يعُد هو الموضوع الوطني المطروح ، بقدر ما أصبح المطروح : أيّ رئيس لأيّ وطـن …
لو أنّ الرئيس نبيه بـرّي ، يدعو إلى جلسة نيابية طارئة لمناقشة مشروعٍ بموضوع : ما معنى الوطن ، وما معنى الدولة ، وما معنى السيادة والوطنية والمواطن ، وما معنى النشيد والعلم ، وهل كلّنا للوطن : أوْ لكلٍّ منّا وطنُـه …؟
وإلاّ ، فما هي قيمة انتخاب رئيس لوطنٍ سقطت فيه الدولة وسقط النظام، وسقطت القوانين الشرعية والقوانين الإلهية والقوانين الوضْعية ، ولم يعد هناك من وازعٍ لا بالسلطان ولا بالقرآن .
عندما تسقط السيادة يسقط النظام ، فلا دولة بلا نظام ، ولا نظام بلا سيادة .
الخطيئة الوطنية المميتة في أننا نجهل حجم تاريخ لبنان ونستصغر أهمية دوره الإنساني العالمي … لبنان الذي هو أكبر من وطـن بل رسالة ، يترنّح في متاهات ما تروّجه الإيديولوجية الصهيونية وبعض الإيديولوجيات الأخرى ، بأن لبنان “خطأٌ تاريخي وجغرافي” .
ولبنان الرسالة ، الذي هو “ضرورة ملحّة للأخوَّة الإنسانية والسلام العالمي” بحسب وثيقة البابا فرنسيس وشيخ الأزهر : 4/2/2019 .
هذه الرسالة تتعرض للإغتيال في معمعة الجنون العالمي ، وهي التي تُنقـذ العالمَ من الجنون .
وهذا اللبنان الذي طالما تجنّد دفاعاً عن القضايا الإنسانية والقضايا العربية ، واستعذب الموت في سبيل قضية فلسطين لن يُضيرهُ أنْ يرتبط مصيرُه بمصير “غـزّة”، ولكنّه يخشى في ظلّ هذا الإنحطاط الوطني ، ألاّ يكون الحلّ فيه إلاّ بما يُشبـهُ حـلَّ الدولتين .
*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.