” .. هُـمُ الذين إذا اجتمعوا ضرّوا ، وإذا تفرّقوا نفَعـوا ..” الإمام علي بن أبي طالب .
هذا ، ما قالَـهُ الإمـامُ في زمانه ، أمّـا في زماننا فهل يصـحّ أنْ نقول هُـمْ الذين إذا اجتمعوا ضـرّوا وإذا تفرَّقوا ضـرّوا …؟
النائب علي فياض من كتلة الوفاء للمقاومة ، خلال مشاركته في مؤتمر “التجدّد للوطن” ، دعـا إلى “منهجّية جديدة في مقاربة الأزمة اللبنانية على قاعدة تبادل الهواجس والضمانات من أجل إعادة بناء التفاهمات الوطنية …”
إنّـهُ طرْحٌ مفيد ، سواءٌ من باب الإنطلاق أو من باب تحديد العناوين ، فتعالَوا إلى “كلمـةٍ سواءٍ بيننا وبينكم”، حـول مؤتمر التجدّد للوطن ، حتى لا نصل إلى وطـنٍ مقسّم جديد ، أو إلى شعبٍ آخر جديد . كلام النائب فيّاض إستهوى الإستاذ شارل جبّـور المسؤول الإعلامي في القوات اللبنانية ، فتناول بـرّدٍ صحافي ما جاء حـول “مقاربة الأزمة اللبنانية وتبادل الهواجس والضمانات” فكان هناك نـوعٌ من الحوار بالمراسلة.
فلماذا ، لا يكون حـوارٌ على قاعدة “إذا اجتمعوا نفعـوا ..” حتى ولو اعتمد المتحاورون أسلوب الإمبراطور الإلماني غليوم الثاني بقوله : “لا بأس عندي من الإشتراك بتمثيل مسرحية الحوار حـول السلام إلاّ أنني أحتفظ بخنجري إلى جنبـي لرقصة “الفالس” .
هذا مع اعتقادنا بأنّ الجـدَل حول المفهوم القومي والوطني لا يصـحّ معه الرقص بالخناجر ، وأنّ أسوأ أنواع الحوارات هي التي تنطلق كمادّة إستهلاكية بتربّص بها كلُّ فريـقٍ خلف متراسهِ الدفاعي متحيِّنـاً الفرصة للإنقضاض الهجومي على الآخر .
هكذا ، كانت كلمةُ الحوار عندنا سيِّئـة السمعة ، فكان الذين تتحدَّث أفواهُهم عن الحوار فوق الطاولات ، كانت أيديهم تحتفظ بالخناجر تحت الطاولات لرقصة “الفالس” .
عندما دعـا الرئيس نبيـه بـرّي إلى طاولة حـوار في أعقاب انتهاء ولايـة الرئيس ميشال عـون ، إلتقيتُـه متمنِّيـاً عليه أن يتحاشى السمعة العاطلة لطاولة الحوار واقترحتُ عليه بديلاً أكثر جدوىً وأنفع تطبيقاً فاستطاب لـه ، وأرجو أن يكون قد استَذْكرَهُ .
طاولة حـوار من أجل إعادة بناء “التفاهمات الوطنية …” نعم . لأن المشكلة عندنا باتت أكثر عمقاً وأفدح خطراً من انتخاب رئيس للجمهورية ، بما هو تباينٌ في التفاهمات حول معنى الجمهورية ومعنى الوطنية ومعنى السيادة والتاريخ والجغرافيا والنظام والديمقراطية والدستور .
يقول الفيلسوف الفرنسي “ديكارت” : “لـو أنَّ الناس يتّفقون حول معاني الكلمات التي يستعملونها ، لزالَتْ معظم خلافاتهم .” فتعالوا ، نتّفـق على الكلمات الوطنية بالمعنى الفلسفي على ما يقول “ديكارت” ، وبالمعنى الروحي كمثلِ حوار المسيح مع رؤساء الكهنة لإخراج الشياطين .
وبما فرضـه القرآن على النبيّ وخلفائه فقال : “وشاورْهُم في الأمر” … “وأمرُهم شورى بينهم …” أيْ إنّ الشورى بلغةِ العصر هي الأمْـرُ بالحكم الدستوري في نظامٍ يأتمـرُ بـهِ الحاكمون والمحكومون .
أخطر ما يواجهنا ، أن يتـمَّ التغاضي عن حوارٍ حول التفاهمات الوطنية بحوار حول التسويات السياسية بتقاسم المغانم والمناصب ، فتظلّ المسرحية نفسها تتكرّر حربـاً بعد حـرب : بالمشاهد نفسها والأبطال أنفسهم .
وعبَثاً نفتِّشُ عن الحلِّ بالمخادعة الدستورية والتحايل على القانون ، ولا حـلّ إلاَّ بالمبدأ الروماني القائل : سلامةُ الوطن هي القانون الأسمى.
*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.