.. وحينَ قيلَ لهُمْ إن هيرودس ملك اليهود أمـرَ بقطع رأس يوحنا المعمدان وقدّمَـهُ على طبقٍ إلى راقصة ، راحوا يستأنفون الرقصَ في محاولةٍ لتركيب الرأس المقطوع لجمهورية لبنان.
الفراغُ الرئاسي يدخل عامَـهُ الثالث والمولود لا يزال في بطـن أُمّـهِ … وحين يغيبُ الملكُ والوريثُ جَنينٌ ، ليس ما يمنع مِـنْ أنْ يُتـوَّجَ الجنينُ ملكاً.
عندما توفي الملك الفرنسي لويس العاشر وكانت زوجته حاملاً ، تُـوِّجَ إبنُـهُ على العرش وهو في بطْـنٍ أُمِّـه ، وبعد خمسة أشهر وُلِـد الملك الرضيع ليحمل إسم جان الأول.
نحن ، لم نعُـدْ نعرف ما إذا كنّا في جمهورية ، أو في مملكةٍ ، وما إذا كان الرئيس عندنا يُتّوجُ بموجب الدستور ، أو بموجب نظام العرش حتى ولو كان ملكاً رضيعاً.
لم نعُد نعرف ما إذا كان لبنان دولـةً أوْ جمهوريةً أوْ مملكةً ، أو بلاطاً من بلاطات السلاطين : أمـراءُ وقـوادٌ وخصيانٌ وعبيدٌ ومستشارون ومنجّمون ووَصيفاتٌ وعشيقات … ووسط هذا الخضـمّ الأُمَـمي والسعيرِ الجهنّمي والإرتهان الخارجي والإنقسام المذهبي ، أصبح لبنان كأنَّـهُ مستعمراتٌ صغيرة كلُّ واحدة ترفع علـمَ الدولة التي استعمرتها.
فيما القيادات والمقامات اللبنانية المسؤولة تطمرُ رؤوسَها في الوحل السياسي والفراغ الرئاسي ، وتتقاذف الإتهامات الفاحشة بواسطة طائراتٍ مسيّرةٍ من الورق.
لا تزال اللجنة الخماسية الدولية تحاول التفتيش عن مفتاح السرّ الغامض للبابِ الرئاسي ، فيما الدستور هو المفتاح الذي أقفلوا بـهِ الباب ، والمفتاح الذي يُقفلُ البابَ هو الذي يفتحـهُ.
لفتَني كلامٌ للرئيس نبيه بـري في ذكرى الإمام موسى الصدر ، لم يلْتقطْهُ أحـدٌ من السياسيين ، لأنّ كلاّ منهم يتلقّطُ بذَنَبـهِ فلا يـرى إلاّ ما هو خَلْف … لقد دعا الرئيس بـرّي : “إلى التحاور والتشاور وصولاً إلى رئيس وطني جامـع”…
فإذا شئنا أن نحلّل بالمنطق السياسي معنى : “رئيس وطني جامع”، فهذا لا ينطبق على الزعيم سليمان فرنجية في ظـلّ ما يشوب الكتل النيابية من تناقضات ومواجهات.
لعلّ الرئيس بـرّي يحاول أنْ يرشقَ الجوزةَ الرئاسية بحجر ، وهو يعلم أن الموضوع يتخطّى التحاور والتشاور ويتخطّى الطبقةَ السياسيةَ التي أسقطَتْ نفسها من لعبة الحلّ ، وأصبح الواقع اللبناني على تشنُّجاته وتعقيداته وتناقضاته ، مرتبطاً بكل أزمات المنطقة وساحاتها وتعقيداتها وحروبها الباردة والساخنة.
ولا نستغرب حين نسمع الكثيرين من المحلّلين وقد راحوا يعتبرون أنّ انتخاب رئيسٍ لجمهورية لبنان بات يحتاج إلى توافق : أميركي – إيراني.
وانطلاقاً من هذه المقارنة يصبح اختيارُ رئيس للحكومة في لبنان ، وتعيينُ مجلس الوزراء في حاجة إلى قـرارٍ من منظمة الأمم المتحدة . المضحكُ المبكي أن الذين يعجزون عن انتخاب رئيس للجمهورية هُـم الذين يرفعون الصوت رفضاً لأي تدّخل خارجي في الإستحقاق الرئاسي حرصاً على سيادة لبنان.
وفي انتظار تحقيق سيادة لبنان ، لا يبقى من حـلِّ إلاّ أنْ ينتخبَ كلُّ فريقٍ رئيساً للجمهورية، ما دامت الجمهورية في ظلّ العهد السابق أصبحتْ جمهوريتين، وأصبح الرئيس فيها رئيسين ، أو رئيساً برأسين.
*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.