في خطوة مفاجأة أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية اختيار دولة الإمارات العربية المتحدة “شريك دفاعي رئيسي”، وهو تصنيف لعلاقة فريدة من نوعها لم تمنحها أمريكا لأي دولة من قبل سوى الهند في عام 2016؛ لتكون “الإمارات” هي أول دولة عربية وفي منطقة الشرق الأوسط تحصل على هذه العلاقة الفريدة مع أمريكا.
وجاء هذا الإعلان بعد لقاء قمة بين الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد ونظيره الأمريكي جو بايدن، وتعتبر هذه هي الزيارة الأولى لمحمد بن زايد لأمريكا وهو رئيس لدولة الإمارات.
وبالنظر إلى هذه الخطوة، فإن هناك ما يدفع “الولايات المتحدة” لاتخاذها ومنحها للإمارات تحديدا، حيث أسهبت التقارير الإعلامية في دولة الإمارات أن هذا النوع من الشراكة راجع إلى التقدير الأمريكي للقيادة الشخصية للشيخ محمد بن زايد. علاوة على ذلك، فإن الرئيس الأمريكي كتب على حسابه بمنصة (X) “ستصبح الشراكة الجديدة علاقة فارقة ومحطة مهمة في تاريخ العلاقة بين الولايات المتحدة والإمارات”.
أيضا، فإن الدبلوماسية الإماراتية لعبت دورا في السنوات الأخيرة في عدد من الملفات والأزمات الإقليمية والدولية، ما جعلها مؤهلة لعلاقة مثل هذا النوع مع الولايات المتحدة، ولعل الدور الإماراتي في حرب غزة وما قدمته من مساعدات إنسانية كبرى وإغاثية، وفي الأزمة السودانية، ودور الوساطة بين روسيا وأوكرانيا كان دليلا واضحا على الصعود الإماراتي لأن يتبوأ مكانة مهمة مع الحلفاء الدوليين.
وعند النظر إلى العلاقة الجديدة بين أمريكا والإمارات كشراكة دفاع رئيسية، فإن مجالات هذه الشراكة متعددة ومتنوعة، وتشمل الدفاعات المشتركة والجوانب الأمنية، والتعاون العسكري والمناورات بين جيشي البلدين تعزيزا للاستقرار الإقليمي، والعلاقات الاقتصادية، والتقدم العلمي والتكنولوجي وخاصة الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، والتعليم والبحث العلمي، والتسليح.
ولكن، تبرز هنا عدة أسئلة منطقية لدى المتابعين للشأنين الأمريكي والإماراتي، وهي، ما الأسس التي اختيرت عليها دولة الإمارات لهذه الشراكة؟ الإمارات رغم أنها دولة نفطية تملك عوائد مالية ضخمة من إنتاج النفط، وباعتبارها مركزا سياحيا، وتجاريا عالميا يتمثل في إمارة دبي، ورغم قدرتها الفائقة على شراء أحدث المعدات العسكرية عالميا، إلا أنها على محور استراتيجيات البناء العسكري، وأجهزة المعلومات والتخابر، ومهارات المقاتل العسكري في الحروب وتعزيز الأمن وقدرة الحماية واللوجستيات العسكرية.. فإن خبرتها تبقى محدودة للغاية ضمن المنطقة التي اختارتها أمريكا لتكون شريكا دفاعيا رئيسيا.
وبمراجعة سريعة، فإن الدبلوماسية الإماراتية التي أشرنا إليها آنفا، وهي الدبلوماسية التي أثنى عليها “بايدن” في أعقاب الاتفاق، باعتبار دورها البارز في محاولة حل الأزمة السودانية (وإن كان هناك دعم لقوات الدعم السريع المناهضة للجيش السوداني)، وبحسب الإشادة الأمريكية، الدعم الإنساني الكبير لأبناء غزة جراء العدوان الإسرائيلي عليهم، ومؤخر، نجحت الإمارات في الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، حيث تم تبادل 1994 أسيرا من خلال 8 وساطات إماراتية خلال هذا العام. وبحسب تقارير إعلامية إماراتية تبقى الإمارات عبر تلك الواساطات نافذة أمل لحل سياسي ودبلوماسي لتلك الأزمة بين روسيا وأوكرانيا التي تجاوزت العامين.
وعلاوة على ما سبق، فالدبلوماسية الإماراتية انتهجت نهجا مفاجئا للشعوب العربية والمنطقة بعد أن كانت أول دولة خليجية تطبع علاقاتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في إطار ما يعرف بـ “الاتفاق الإبراهيمي” والتي وقعت بوساطة أمريكية في عام 2020، وهي الاتفاقية التي عززت العلاقات الإماراتية الأمريكية، وأسهمت من دور الإمارات وبروز سياساتها في منطقة الشرق الأوسط.
أما ما يمثل مفاجأة على سبيل إنكار الدور الأساسي والاستراتيجي في حرب تحرير الكويت (عاصفة الصحراء) في شتاء 1991؛ والذي ينسب لمصر دون غيرها، باعتبار أن الجندي المصري هو من تصدى متقدما الصفوف الأولى لعملية القتال لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي، أن “بايدن” ذكر أن دولة الإمارات هي الدولة الوحيدة التي نشرت قواتها العسكرية بجانب القوات الأمريكية في تحالف عسكري دولي شاركت فيه أمريكا.
من حق دولة الإمارات وشعبها وإعلاميها أن ينبهروا ويعجبوا بهذه الشراكة الفريدة التي وصفها وزير الدفاع الأمريكي “لويد أوستن” بجعل منطقة الشرق الأوسط أكثر أمانا واستقرارا على يد دولة الإمارات،.. لكن لا يمكن إغفال دور الدول الكبرى في المنطقة والتي يعد استقراراها هو ركيزة وأمن الاستقرار في المنطقة برمتها، وعلى رأس تلك الدول مصر التي تتمتع بمقومات إرساء السلام والأمن، وترسيخ محددات الأمن القومي عربيا وإقليميا؛ لما لها من باع طويل في هذا المجال منذ عقود طويلة بفضل مؤسساتها العتيقة.
إن ما تهدف إليه أمريكا هو محاولة الرجوع مرة أخرى إلى منطقة الشرق الأوسط بعد سحب البساط من تحت أقدامها واتجاهها نحو آسيا؛ حيث مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.. ولكن هل ستؤمن العلاقة الجديدة مع الإمارات هذه العودة؟!!