>> المقاومة ظاهرة تاريخية مرتبطة بوجود أي استعمار والنصر حليفها في النهاية
>> مصر ساندت المقاومة الجزائرية حتى تحقق الاستقلال في 1962
>> لا يوجد مثال واحد في التاريخ المعاصر أن هناك حركة تحرر هزمت
حول السجال الدائر حاليا في النقاشات الشعبية وعلى مستوى النخبة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بشأن مدى تأييد أو رفض ما تقوم به كل من حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وحركة المقاومة الإسلامية في لبنان (حزب الله) ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي، وما إذا كانتا الحركتين صنيعة إسرائيلية أو ما تقوما به تمثيلية أو مؤامرة مع بعض الأطراف الإقليمية مثل إيران، استطلعت “العربي الأفريقي” رأي المفكر وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة دكتور أحمد يوسف، والذي صرح مؤكدا، أن أي مقاومة يكون لها دور في وجه المحتل، وأحد الكتاب العرب المشهورين قال بأننا نعيش اليوم في عالم عربي لا يوجد فيه مسلم سني أو مسلم شيعي، أو حزب الله أو حماس، ولكن هناك معسكر مع إسرائيل ومعسكر مع الأمن العربي.
وأضاف “يوسف”: المقاومة ظاهرة تاريخية مرتبطة بوجود أي استعمار، وعلينا جميعا العودة إلى كتب التاريخ التي تؤكد أن أي استعمار يولد حركة مقاومة؛ لأن جوهر العملية الاستعمارية هو احتلال الشعوب.
وقال “يوسف”: من الممكن أن تصبر الشعوب على المستعمر لعدد من السنوات، ولكن في النهاية لا بد وأن تنفجر المقاومة، وهذه المقاومة تبدأ ضعيفة، فكيف لشعب محتل أن يقاوم دولة مثل بريطانيا العظمى أو فرنسا أو ألمانيا أو بلجيكا، وبالرغم من أن المقاومة تبدأ ضعيفة، إلا أنها تأخذ في بناء قوتها بسبب إيمانها بقضيتها وحاضنتها الشعبية، حيث موافقة الأغلبية الساحقة من الشعب لأعمال المقاومة، كذلك تقوى المقاومة بسبب أسلوبها في القتال، فمثلا المقاومة التي تقاوم دولة الاحتلال الإسرائيل لا تقاومها بجيش نظامي، ولكن بأسلوب حرب العصابات التي نسميها الحروب غير المتماثلة.
ولفت “يوسف” إلى أنه من الممكن أن تلقى المقاومة دعما خارجيا مؤثرا كما تلقت المقاومة الجزائرية في خمسينات القرن الماضي والمقاومة اليمنية في جنوب اليمن في ستينات القرن الماضي دعما هائلا من مصر، واستطاعت أن تحقق الاستقلال. وهنا التاريخ يقول أن أي استعمار يولد مقاومة تبدأ ضعيفة حتى تقوى وصولا إلى الحصول على الاستقلال.
ويؤكد “يوسف” في تصريحاته أنه لا يوجد مثال واحد في التاريخ المعاصر على أن هناك حركة تحررية هزمت، أما الأمثلة الخاصة بالهنود الحمر فقد حدث فيما مضى في ظروف مختلفة تماما “دوليا وإقليميا واقتصاديا”؛ وبالتالي الانتصار النهائي سيكون للمقاومة. ويضيف “يوسف”: بالطبع التكلفة باهظة، والبعض يقول “ماذا نجني من وراء أفعال تلك المقاومة”، فهناك 42 ألف شهيد في غزة و100 ألف مصاب، ولبنان على نفس الطريق، ونحن هنا نرد عليهم بأن هذا هو طبيعة المعارك التحررية.. ألم تدفع الجزائر في ثماني سنوات مليون ونصف المليون شهيد.. (هل نجد اليوم من يقول قاتل الله “جبهة التحرير” التي أتت لنا بالاستقلال بمليون ونصف مليون شهيد؟!!).. بالطبع لا، فهذا هو الثمن الذي تدفعه حركات التحرر أو المقاومة، وهذا الثمن تدفعه الشعوب بالمقاومة وبغير المقاومة.
وأشار “يوسف” في تصريحاته إلى أن هناك البعض ومنهم فلسطينيين يقولون “حماس أعطت لإسرائيل الذريعة كي تبيد الشعب الفلسطيني.. وهل حماس كانت موجودة في عام 1948 حين وجهت إسرائيل العصابات الصهيونية لأعمال القتل والإرهاب والتشريد للشعب الفلسطيني لدرجة إخراج معظمه من أرضه، وهي تحاول عمل نفس الشئ الآن في غزة واالضفة؟!!” إذن، القصة ليست قصة مقاومة، هي قصة استعمار والاستعمار يرتكب جرائمه بمقاومة وبدون مقاومة.
أما كون حركة المقاومة تمثيلية، أجاب “يوسف” ساخرا: فهذا أمر مضحك، وقيل هذا الكلام في بداية عملية طوفان الأقصى، وقيل أن قادة حماس يجرون تمثيلية لكي تبيد إسرائيل غزة ثم يخرجون من غزة سالمين بما جمعوه من ثروات. وقد رأينا كيف بقي يحيى السنوار في غزة إلى أن استشهد وهو يقاتل الصهاينة لآخر لحظة في حياته.
إذن قصة أنها تمثيلية، فلا أحد يقوم بالتمثيل أنه يتم قتله، وإسرائيل نفسها أعلنت استهداف منزل رئيس حكومتها بنيامين نتنياهومن قبل “حماس” بالطائرات المسيرة، إذن هي حالة حرب حقيقية بين الاستعمار الصهيوني وبين خصومه (المقاومة الشرعية). ويتسائل “يوسف”: لكن، هل هناك من يؤيد إسرائيل؟
ويجيب “يوسف”: للأسف، هناك في الوسط العربي والفلسطيني من يؤيد إسرائيل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ولكن لا يجب أن نفقد البوصلة في هذا المجال، فالمقاومة حق ولها النصر، والمستعمر مغتصب. وهنا أقول، وارد أن تخسر المقاومة هذه الجولة، وقال البعض حين وجهت الضربات الموجعة لحزب الله في لبنان بعد مقتل “السنوار”، ما قلنا هذا من أول الأمر.
وهنا أرد عليهم بقراءة تاريخ حرب التحرير الجزائرية منذ استعمارها عام 1830 وحتى تحريرها عام 1962، أي 130 عاما من التحرير.
وعلينا أن نرى كيف اشتعلت المقاومة أيام عبد القادر الجزائري، ثم كيف سكتت وهبطت، ثم كيف اشتعلت ثانية وهبطت، ثم كيف كانت الموجة الأخيرة التي حققت الانتصار بالتحرير.
وختم “يوسف” تصريحاته قائلا: أتمنى، وما زال لدي الأمل في أن تجبر المقاومة إسرائيل على القبول باتفاق متوازن، وهذا ما حدث في عام 2006 في الحرب بين إسرائيل وحزب الله، حين تكبرت إسرائيل برفضها وقف إطلاق النار، ومعها كوندليزا رايز وزيرة خارجية أمريكا في ذلك الوقت، التي قالت نحن نبني (شرق أوسط جديد)، وهو نفس الكلام الفج الذي يقوله “نتنياهو” حاليا.. “فماذا كانت النتيجة حين بدأت إسرائيل تتوجع وتتألم؟”.. فقد هرولت أمريكا إلى مجلس الأمن لتطلب وقف إطلاق النار وتم التوصل إلى القرار رقم 1701 الذي كان قرارا متوازنا إلى حد كبير، ولم يُقْضَى على “حزب الله” ولن يقضى على أي حركة مقاومة.
وحين نتدبر كم المهانة والإذلال الذي تقوم به قوات الاستعمار الإسرائيلي ضد الفلسطينيين سنفهم لماذا تدفع عناصر المقاومة أرواحها رخيصة مقابل الاستقلال، وبالتالي قد تخسر المقاومة جولة من الجولات، ولكن سيتحقق النصر في النهاية.
ما يجري الآن معركة متأخرة من معارك التحرر الوطني، وفي النهاية سيكون الاستقلال.