صفقة الخريف!!

آخر تحديث : الأربعاء 25 ديسمبر 2024 - 3:50 صباحًا
بقلم: حاتم عبد القادر
بقلم: حاتم عبد القادر

أبى الخريف أن يرحل إلا وأن يرحل معه ملك الربيع بشار الأسد. نعم، لقد ظل بشار الأسد ملك الربيع العربي حتى سقوطه في الثامن من ديسمبر ٢٠٢٤.

فقد ظل “الأسد” صامدا في وجه انتفاضات شعبه والجماعات المسلحة التي ثارت عليه في طوفان ما عرف بثورات الربيع العربي في العام ٢٠١١، وبفضل الدعم الروسي والإيراني وحزب الله اللبناني تمكن “الأسد” من البقاء رئيسا لسوريا ونجا من طوفان “الربيع العربي” الذي حصد سقوط ٤ أنظمة عربية بداية من نظام الراحل زين العابدين بن علي الرئيس الأسبق لتونس، والرئيس الراحل حسني مبارك الرئيس الأسبق لمصر، والراحل معمر القذافي الزعيم الليبي السابق، والراحل علي عبد الله صالح الرئيس الأسبق لليمن.

أكثر من ١٣ عاما من الصمود في وجه الجماعات المسلحة، وبقدر ما ارتكبه نظام الأسد في حق شعبه وتلك التنظيمات من عمليات ومجازر وحشية استخدم فيها الأسلحة الكيميائية وما عرف بالبراميل المتفجرة، إلا إن بعض التحليلات كانت تبدي له الأعذار على اعتبار أنه لا شرعية للثورات المسلحة، وأن الثورات المسلحة تسقط شرعيتها ويجب مقاومتها، على خلاف الثورات البيضاء أو الثورات السلمية التي تتخذ من التعبير السلمي طريقا لتغيير أنظمتها وهو ما حدث في مصر وتونس، وإن كان “الربيع العربي” كله ما هو إلا مشروع غربي نفذته مجموعات مرتزقة من الوكلاء في الداخل، مستغلين سوء الأوضاع الداخلية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فكانت شرارة تلك “الربيع” التي انطلقت من تونس.

لقد ظن الجميع وظن “الأسد” نفسه أنه أصبح في أمان، وأن تثبيت حكمه سيظل مستمرا بحماية روسية وإيرانية من خلال التواجد العسكري لهما في سوريا ومعهما قوات حزب الله اللبناني، الرقم الأهم في معادلة الحماية لنظام “الأسد”.

وبالرغم من أن “الأسد” لم يتمكن من إعادة كامل تراب بلاده، بعد أن استمرت تركيا في احتلال مساحة واسعة بعرض ٢٠ كيلو متر على الحدود التركية السورية؛ في مواجهة الأكراد، كذلك استمرت السيطرة من قبل التنظيمات المسلحة على عدة مناطق البلاد، ناهيك عن هضبة الجولان المحتلة من دولة الاحتلال الإسرائيلي، فلم يسيطر “نظام الأسد” إلا على ٦٠٪ من مساحة سوريا!!

ولا يخفى على أحد أن إيران كانت تعتبر سوريا هي المنطقة الاستراتيجية في مشروع طموح إمبراطوريتها الفارسية، فكانت المحطة الأولى في رحلة السيطرة والحلم، تبعتها لبنان واليمن والعراق بعد سقوط نظام صدام حسين في ٢٠٠٣، وما زالت خطتها مستمرة، ويوازيها طموح آخر تعمل عليه تركيا لاستعادة إمبراطوريتها العثمانية. الكل يبحث عن موطأ قدم في العالم العربي لإدراكه مدى استراتيجية تلك المنطقة إقليميا وعالميا.

ظل “الأسد” في سبات عميق، مطمئنا قرير العينين، حتى أنه رزق بمولود في عز الاشتباكات والمواجهات مع الجماعات المسلحة، ما فسره الناس بأنه لا يلقي بالا بالأحداث، ولديه هدوء أعصاب يحسد عليه. إلا أن “الأسد” كان عليه إعادة حساباته وإعادة تقدير الموقف، ليدرك أن حكمه لا يمكن أن يصمد ويستمر إلا من خلال شرعية ودعم شعبه، فقد راهن للأبد على دعم روسيا وإيران، ولم يتحسب لحظة لحدوث تغيرات في المواقف والمصالح التي تفرض تغيير الخرائط الجيوسياسية التي تتعارض مع بقاءه يوما ما ويدفع هو الثمن ليرى نفسه “الرأس الطائرة” في صفقة لُعبت أوراقها بليل.

إن المراقب لأحداث الإقليم في السنة الأخيرة وكيفية تصاعدها، منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى التي قامت بها حركة المقاومة الإسلامية “حماس” ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي، وما نتج عنه من خسائر باهظة للاقتصاد الإسرائيلي، والوضع السياسي والعسكري المهين، كان لا بد وأن يدرك أن مآلات الأمور لا يمكن أن تستقر في المنطقة، خاصة وأن مقاومة جيش الاحتلال الإسرائيلي تأتي من الفاعلين من غير الدول، وهي حركات مقاومة تصنفها غالبية الدول بأنها حركات إرهابية؛ نظرا لأن تلك الدول لها مصالح استراتيجية لبقاء الوجود الإسرائيلي في المنطقة.

وخلال الشهور القليلة الماضية تصاعدت الاشتباكات بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وإيران وامتدت لتتواصل المواجهات مع حزب الله في جنوب لبنان وتصفية أمينه العام حسن نصر الله وأهم رموزه، ولتكتمل الصفقة باستعادة التنظيمات االسورية المسلحة صفوفها وعلى رأسها هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) المدعوم من تركيا وإسرائيل، فبعد أن تم إنهاك حزب الله وضعف موارده العسكرية والبشرية، والذي كان لاعبا رئيسا في حماية نظام الأسد، ومع إنهاك إيران والنجاح في فك ارتباطها (ولو جزئيا) بوكلائها في المنطقة وبالأخص في العراق وسوريا ولبنان، ومع انشغال روسيا بحربها مع أوكرانيا، كانت الصفقة جاهزة تماما لإزاحة نظام الأسد.

فالمقايضات التي أتى بها، مبكرا، الرئيس الأمريكي المنتخب حديثا دونالد ترامب لإعادة رسم خريطة جديدة في المنطقة باتت واضحة، حيث إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية وتحقيق كل ما يطلبه بوتين في أوكرانيا التي تتنازل عن المقاطاعات الأربعة لروسيا، وعدم انضمام أوكرانيا لحلف الناتو؛ ولعل لقاء باريس الذي جمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وترامب، والرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي دارت كواليسه على قبول زيلينسكي إنهاء الحرب بهذه الصيغة.

أيضا، من محطات الصفقة فك ارتباط إيران بنظام الأسد وحزب الله اللبناني على أن يتم النظر في الاتفاق النووي الإيراني الذي انسحبت منه أمريكا في عهدة ترامب الأولى، كذلك رفع العقوبات المفروضة على إيران.

وفي الصفقة تظهر تركيا وجهاز مخابراتها كلاعب استراتيجي، حيث كان التخطيط والإمداد من تركيا دعما لهيئة تحرير الشام، وبقاء القوات التركية في شمال سوريا في مواجهة الأكراد الذين يهددون تركيا.

ومع دخول جماعات المعارضة السورية المسلحة وإسقاطها لمدينة حلب ومن بعدها إدلب وحماه وحمص وصولا إلى العاصمة دمشق كان الاتفاق على غض الطرف عن بشار الأسد وعائلته ومنحه فرصة الفرار إلى روسيا آمنا، وهو ما حدث بالفعل.

وفي اليوم التالي لسقوط نظام الأسد، توغلت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي وسيطرت على كامل منطقة الجولان وجبل الشيخ ذو الأهمية الاستراتيجية، وبعدها بأيام قليلة تم تدمير كافة مواقع والبنية الأساسية للجيش السوري دون أدنى مقاومة، وتم تدمير جميع الدبابات، حوالي ٥٠٠ طائرة، ومن قبلها شوهد كيفية الانسحاب الذليل لجنود وقيادات الجيش السوري دون إطلاق رصاصة واحدة ضد جماعات المعارضة السورية المسلحة أو جيش الاحتلال الإسرائيلي.

لقد فقد الجيش السوري معنوياته، بعد أن تخل عنه رئيس الدولة، وبعد أن أدرك الجيش نفسه أنه لا قيمة ولا ثمن لحماية نظام لم يعد موجودا ولن يكتب له البقاء، وربما شعر قادة الجيش بالذنب الذي ارتكبوه طيلة السنوات الماضية لحماية النظام دون حماية الشعب.

إن الصفقة التي عقدت في نهايات الخريف، مقدمة لصفقات جديدة سيتم تسويتها خلال المواسم المقبلة ضمن استكمال تسويات ستضغط بها الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب، ولن تخلو تلك التسويات من ابتزاز جديد سيخرج من جيوب ترامب لحلب جيوب أثرياء المنطقة.

رابط مختصر
2024-12-25
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر