يحرص المسلمون في كل أنحاء العالم على استقبال شهر رمضان الكريم بالفرحة والخير، ويعدون له العدة بطقوس دينية واجتماعية، وكأنه ضيف عزيز ذو شأن عظيم، كما لو كان ملكا أو سلطانا وعلمت أنه سيحل عليك ضيفا لبضع دقائق في منزلك، فما بالك بالشهر الفضيل والذي يزورنا ثلاثون يوما كل عام؟
يأتي رمضان محملا بالخيرات، فهو شهر الرحمة والمغفرة وإمساك الشياطين، والعتق من النار. شهر من صامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، بحسب ما أخبرنا به سيد البرية وحبيب الأمة.
شهر يكثف فيه الناس من عبادتهم وتقربهم إلى الحق تبارك وتعالى، متبعين أحكام الشهر الفضيل طمعا في قبول التوبة وأن يكون بداية جديدة لحياة خالية من الذنوب والمعاصي، ففيه فرصة لإعادة الصلة بين الأرحام، والأهل والأصدقاء والجيران والأحباب وهجر البعد بين المتخاصمين، واللين بين المتعاملين مع بعضهم البعض، وإعادة الحقوق لأصحابها. هذا هو رمضان.. شهر يغتسل فيه الإنسان من ذنوبه، متطهرا منها، ليعود إنسانا جديدا إلى أهله وأمته، فإذا ما صدق النية وكان من أهل العزم، حقق الله فيه وعده وأكرمه بغفرانه وقبول توبته، وعاد إنسانا جديدا.
كيف لا، وقد شهدت بعض العادات الاحتفال بقدوم شهر رمضان بتزيين البيوت وتجديد طلائها وألوانها، بل ذهب البعض إلى شراء أواني جديدة خاصة بالشهر الفضيل، وأيضا ملابس خاصة بالشهر الفضيل.
وبعد انتهاء الشهر الفضيل يأتي عيد الفطر المبارك الذي يعد جائزة الصائمين لصومهم بحق وحرصهم على الصيام الصحيح، وفي العيد يخرج الناس بملابسهم الجديدة احتفالا وبهجة بالعيد، وشعورهم بالتكريم من المولى عز وجل على صيامهم رمضان ثلاثون يوما ومعهم صلوات القيام والتهجد والدعاء، وإيتاء زكاة عيد الفطر، والتزام فضائل الأخلاق.
إذا كانت هذه هي مجرد طقوس ظاهرية لإصباغ الفرحة على الإنسان لثلاثين يوما فرض فيهم الصيام، وثلاثة أيام شرعت عيدا فرحة وتهليلا للصائمين وأطفالهم.. إذا كان كذلك، فما بالنا بشهر يلبسنا ثوب التوبة النصوح لتكون ملابس الأخلاق الجديدة والتي لا نخلعها إلا بتجدد تلك الأخلاق بمكارمها وفضائلها.
كل ما سبق، كان من السهل إتيانه في زمن وعهد كانت البساطة عنوانه، والخير مآله، أما اليوم، فحدث ولا حرج أن تتغير الأخلاق وتتبدل في الشهر الفضيل بصنيعة الناس بما يقترفونه من ذنوب ومعاص وشقاق فيما بينهم، فهذا يأكل حق أخيه أو أخته، وذاك يجادل في حقوق زوجته، وآخر لا ينفق على أبنائه وبناته، وهناك من يزيد في الأمر ويكشف لحمه وعرضه ملقيا بهن إلى العراء لا يخشى الله فيهم ولا يتقيه، غير عابئ بما فرضه الله عليه لصيانة عرضه، ولما كان رمضان فرصة للابتعاد عن تلك المعاصي والتطهر منها، نرى البعض لا تهتز له شعرة لأن يأتي الحق، بل مستمرا في عصيانه.
ناهيك عن الظاهرة المستشرية في كل عام منذ عدة سنوات من صناع الدراما الاجتماعية من مؤلفين ومنتجين ومخرجين وممثلين لا يحلو لهم تقديم الإسفاف وأقبح ما في جعبتهم الإبداعية إلا في شهر رمضان المعظم.
فلا أفهم سر الإصرار لتلك القنوات التلفزيونية على تقديم هذه الجرعة المسمومة من تلك الأعمال التي لا يظهر ولا يبطن منها سوى أعمال البلطجة والعنف، وترسيخ مفردات وكلمات نزع منها ثوب الحياء والأدب، فكل المشاهد والحوار لا تخلو من الإيماءات والإيحاءات الجنسية، بحجة باطلة، هي أنهم يجسدون الواقع.. والسؤال الدائم، هل هذا حقا واقعنا؟!!
وإذا كانت هناك بعض الحالات من تلك المظاهر موجودة حقا في المجتمع، كيف تجرأتم وصنعتم منها واقعا حاصلا في المجتمع؟!!
حتى الإعلانات التجارية، والتي هدفها الرئيس تسويق منتج ما، انتقلت إليها عدوى الدراما الرمضانية، وأصبح مضمونها ذات إيماءات جنسية، على الرغم أن تلك الإعلانات موجهة في الأساس للأطفال.
إن أخلاقنا في رمضان في هذا الزمان في حاجة إلى العودة إلى الأخلاق الحقة، وعلى مؤسسات الدولة المعنية التدخل لإنقاذ المجتمع من تلك الأخلاق الهادمة لقيمه وأعرافه وتقاليده الراسخة، طبقا لحضارته وأديانه السماوية المتعاقبة. علينا، جميعا، تحمل المسؤولية والتدخل قبل فوات الآوان.