أشعل خطاب ألقاه الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، الأحد، بمناسبة احتفال تونس بعيد المرأة موجة نقاش واسعة في تونس إذ طرح مراجعة قوانين تتعلق بالمساواة بين الرجل والمرأة من بينها المساواة في الإرث وزواج التونسية بغير المسلم.
وتطرق السبسي إلى ضرورة القيام بمراجعات قانونية تمنح للمرأة الحق في الميراث مثل الرجل بالإضافة إلى الحق في الزواج من أجنبي دون اشتراط أن يكون من الديانة الإسلامية.
وقال السبسي “إننا نرى أنه من الممكن ومن الضروري تطوير مجلة (قانون) الأحوال الشخصية في العديد من المجالات لتكريس المساواة”. وأضاف “من الممكن تعديل قانون الأحوال الشخصية المتعلق بالإرث بصورة مرحلية متدرجة حتى بلوغ هدف المساواة التامة بين الرجل والمرأة”.
وبيّن أنه “أمام بروز توجّه جديد لدى العائلات التونسية للأخذ بمبدأ المساواة في تقسيم الأملاك بالاعتماد على الهبة في قائم حياة الوالدين فقد استوجب التفاعل مع هذا التوجّه وتشجيعه وفقا للمنهج المقاصدي الحاث على الاجتهاد”.
وتمّ الإعلان عن تشكيل لجنة الحريات الفردية والمساواة لدى رئاسة الجمهورية التونسية. وستتولى اللجنة إعداد تقرير حول الإصلاحات المرتبطة بالحريات الفردية والمساواة استنادا إلى دستور 2014، والمعايير الدولية لحقوق الإنسان والتوجهات المعاصرة في مجال الحريات والمساواة.
وأوضح السبسي “الدولة ملزمة بتحقيق المساواة الكاملة بين المرأة والرجل، وضمان تكافؤ الفرص بينهما في تحمل جميع المسؤوليات، وفق ما نص عليه البند 46 من الدستور”.
وأضاف “لديّ ثقة في ذكاء رجال القانون، وسنجد صيغا قانونية لتجنب الاصطدام بمشاعر التونسيين”.
ووصف متابعون خطاب السبسي بـ”الثوري”، إذ لأول مرة في البلاد تناقش شخصية في مستوى رئيس الجمهورية ما ورد في القانون التونسي بهذه “الجرأة”.
ومثلت المساواة في الميراث والزواج من أجنبي مسألتين مثيرتين للجدل في تونس، خاصة منذ سقوط نظام الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي عام 2011 وصعود الإسلاميين إلى الحكم بعد الانتخابات التشريعية التي تم تنظيمها في نهاية العام نفسه.
وتقدم 27 نائبا من كتل برلمانية مختلفة، في العام 2016، بمبادرة تشريعية تتعلق بتحديد نظام المنابات (الأنصبة) في الميراث، وقد تضمنت 3 بنود وتقر المساواة في الإرث بين المرأة والرجل، لكنها لاقت معارضة شديدة داخل البرلمان وتوقفت النقاشات حولها.
وتناضل منظمات نسائية في تونس من أجل المساواة التامة مع الرجل بما في ذلك الإرث، كما يطالب حقوقيون بتطوير القراءات للنصوص الدينية في هذا المجال. وتشمل الدعوات الحقوقية حق المرأة في الزواج من أجنبي بغض النظر عن ديانته مسبقا. وهذه من بين المسائل الخلافية في تونس حول قانون يعرف بالمنشور العدد 37.
وقال السبسي إن المنشور 73 أصبح يشكل عائقا أمام حرية اختيار القرين وبالتالي تسوية الوضعية القانونية للكثير من النساء المرتبطات بأجانب وما خلفه من مشاكل، خاصة أن الفصل 6 من الدستور يقر بحرية المعتقد ويحمل الدولة مسؤولية حمايتهما.
وقال السبسي في خطابه “لن نمضي في إصلاحات قد تصدم مشاعر الشعب، الذي في أغلبه مسلم، لكننا نتجه نحو المساواة في جميع الميادين”.
وأكد “مقتنعون أن العقل القانوني التونسي سيجد الصيغ الملائمة التي لا تتعارض مع الدين ومقاصده، ولا مع الدستـور ومبادئه في اتجاه المساواة الكاملة”.
ويمنح قانون الأحوال الشخصية حقوقا واسعة للمرأة في تونس حيث منع تعدد الزوجات ومنح المرأة حق الطلاق وحرية اختيار الزوج وإلغاء قانون الجبر والوصاية وإلغاء واجب الطاعة. وتمثل تلك المراجعات القانونية أهمّ الخطوات الجريئة في بلد طالما بادر بالسبق في سن القوانين المرتبطة بحرية المرأة وتحديث المجتمع.
وتحتفل تونس بالعيد الوطني للمرأة في 13 أغسطس من كل سنة، الذي يوافق ذكرى صدور مجلة (قانون) الأحوال الشخصية عام 1956.
ويقر دستور تونس الجديد الذي صدر عام 2014 في الفصل 21 على المساواة بين المواطنات والمواطنين في الحقوق والواجبات. كما ينص في الفصل 46 على مسؤولية الدولة في ضمان تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في جميع المجالات.
وقال الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إنه “من بين 217 مقعدا بمجلس نواب الشعب توجد 75 نائبا امرأة، وقدمنت النساء البرلمانيات إضافة لا يستهان بها في مجال التشريع”.
وأوضح أن “النساء يمثلن 60 بالمئة من العاملين في قطاع الطب و35 بالمئة في الهندسة و41 بالمئة في القضاء و43 بالمئة في المحاماة و60 بالمئة من حاملي الشهادات العليا”. وأكد على أن المجتمع المدني يقوم على المرأة أساسا.
هذا وقد امتدت حالة الجدل لدعوة “السبسي” إلى خارج تونس، واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ورافض لما طرحه “السبسي”؛ حيث اعتبره الرافضون بأنه تعدٍ واضح على مسائل ثابتة ثبوت قطعي ومحسوم في الشريعة الإسلامية لا اجتهاد فيها لأي إنسان أو عالم، حيث خالفت دعوة “السبسي” صريح النصوص القرآنية الواردة في ذلك.
الأزهر يرد: دعوة “السبسي” تتصادم مع أحكام الشريعة الإسلامية
إلى هنا وقد دخل الأزهر الشريف على خط الأزمة مباشرة، حيث انتقد وكيل الأزهر عباس شومان دعوة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي الى المساواة بين النساء والرجال في الميراث معتبرا أنها “تتصادم مع أحكام شريعة الإسلام”.
وقال شومان في بيان نشرته “الصفحة الرسمية لمكتب وكيل الأزهر” على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: إن “دعوات التسوية بين الرجل والمرأة في الميراث تظلم المرأة ولا تنصفها وتتصادم مع أحكام الشريعة”.
وأوضح شومان أن “المواريث مُقسمة بآيات قطعية الدلالة لا تحتمل الاجتهاد ولا تتغير بتغيير الأحوال والزمان والمكان وهي من الموضوعات القليلة التي وردت في كتاب الله مفصلة لا مجملة وكلها في سورة النساء”.
وجاءت تصريحات “شومان” بعد أن طرح الرئيس التونسي في “عيد المرأة” في تونس موضوع المساواة بين الرجال والنساء في الارث، معتبرا ان بلاده تتجه الى المساواة “في جميع الميادين”.
وقال السبسي “لا بد من ان نقول اننا نتجه نحو المساواة (بين الرجال والنساء) في جميع الميادين، والمسألة كلها في الارث”.
واعتبر شومان حسب البيان، أن “هناك العديد من المسائل التي تساوي فيها المرأة الرجل أو تزيد عليه وكلها راعى فيها الشرع بحكمة بالغة واقع الحال والحاجة للوارث أو الوارثة للمال لما يتحمله من أعباء ولقربه وبعده من الميت وليس لاختلاف النوع بين الذكورة والأنوثة كما يتخيل البعض”.
وكان “السبسي” اشار الى أنه طلب من الحكومة “التراجع عن” منشور يعود الى العام 1973 ويمنع زواج التونسيات المسلمات من غير المسلمين.
وجاء رد شومان ليتضمن هذه النقطة، قائلا إن “الدعوات المطالبة بإباحة زواج المسلمة من غير المسلم ليس كما يظن أصحابها في مصلحة المرأة”.
وأفاد بأن هذا الزواج “الغالب فيه فقد المودة والسكن المقصود من الزواج” إذ لا يؤمن غير المسلم بدين المسلمة وبالتالي “لا يعتقد تمكين زوجته من أداء شعائر دينها فتبغضه ولا تستقر الزوجية بينهما”.
لذلك يسمح للمسلم بأن يتزوج “بالكتابية” (المسيحية أو اليهودية) ولا يسمح له بالتزوج ممن لا يعترف الإسلام بديانتهن.