كشف تقرير للأمم المتحدة، عن وجود تنظيم “داعش” في الصومال، ليخرج وجوده من دائرة الوهم إلى الحقيقة، ويزيد من المخاوف على الحكومة الصومالية، التي تقاتل، منذ قرابة عقد من الزمن، “حركة الشباب”، المرتبطة بتنظيم القاعدة.
وبحسب التقرير الأممي فإن أتباع فرع تنظيم “داعش” بالصومال زاد عددهم من بضع عشرات، العام الماضي، إلى 200 مسلح هذا العام، في شمال شرقي الصومال، البلد العربي الذي يعاني حربا أهلية منذ عام 1991.
وتمثل الغارات التي شنتها طائرات أمريكية من دون طيار في شمال شرقي الصومال، الأسبوع الماضي، رسالة قوية للرد على صعود مفترض لأتباع “داعش” في الصومال، وللفت أنظار العالم إلى مدى خطورة “داعش” في دول منطقة القرن الإفريقي، وهي: الصومال وإثيوبيا وكينيا وجيبوتي وإريتريا.
انشقاقات “حركة الشباب”
في الصومال ما يزال فرع “داعش” في طور التشكل، رغم مرور العام الثاني من تاريخ إعلان ولادته، في أكتوبر 2015م، فمحدودية أتباعه وقلة عتاده وقدراته القتالية تبقيه متخفيا في جبال “عيل مدو” شمال شرقي الصومال، رغم محاولته استعراض عضلاته عبر أنشطة تبقى محدودة جدا للآن داخل الصومال.
برز نجم “داعش” في الصومال بعد اغتيال أحمد عبدي غوداني، الزعيم الروحي لـ”حركة الشباب”، في غارة جوية أمريكية، في سبتمبر 2014م.
واتبع غوداني سياسة القبضة الحديدية في إدارة شؤون الحركة، وحرص في الفترة الأخيرة من حياته على منع حدوث انشقاقات في الحركة، أو أن تتسرب إليها أفكار التنظيمات الأخرى المنافسة لتنظم القاعدة.
رحيل غوداني، بجانب تراجع نفوذ “الشباب” في أقاليم صومالية أمام القوات الحكومية والإفريقية، صعّدا من وتيرة الانشقاقات داخل الحركة، من رأس إدارتها إلى قياديين ميدانيين.
وبدأت داخل الحركة تصفية حسابات داخلية دموية، طالت أجانب، منهم “أبو منصور الأمريكي”، رئيس التدريبات العسكرية في الحركة، من أجل حفظ صف “الشباب”.
تصدع صفوف الحركة، وما تلاه من انشقاق قياديين بارزين، فتح شهية “الشيخ عبد القادر مؤمن”، المنشق عن “الشباب” لإعلان مبايعته هو وعشرات من المقاتلين المنشقين لزعيم تنظيم “داعش”، أبو بكر البغدادي.
هذه الخطوة مهدت الطريق أمام استقطاب “داعش” مزيدا من قيادات “الشباب” كانوا بحاجة إلى التمويل، بعد خسارتهم المدن الرئيسية أمام القوات الحكومية، ومعظم هؤلاء من قيادات الصف الثاني، وكانوا في مناطق شمال شرقي الصومال.
قلق محلي ودولي
ورغم قلة حيلة “داعش” في شمال شرقي الصومال، وعدم وجود بصمات له، إلا أن ناقوس خطره المحدق بالمنطقة أثار قلقا محليا ودوليا.
وفي حال تعاظم نفوذه فإن أمن دول جوار الصومال سيصبح مهددا، وحتما سيوجه التنظيم ضربات إلى هذه الدول، فضلا عن استهدافه الحكومة الصومالية، التي تحاول اجتثاث جذور مقاتلي “حركة الشباب” .
ووفق عبد الفتاح نور، وزير الدولة للإعلام في حكومة إقليم “بونتلاند” (تتمتع بنوع من الحكم الذاتي منذ 1998- شمال شرق)، فإن “وجود داعش في الصومال يشكل تهديداً أمنياً للمنطقة، وخاصة الصومال، إذ إن ثقله القتالي لا يقل خطورة عن الجماعات المتشددة الأخرى، كحركة الشباب، التي أربكت أمن الصومال ودول الجوار”.
وأضاف الوزير الصومالي، في تصريح للأناضول، أن “حكومة إقليم بونتلاند تخوض حربا ضارية ضد داعش، الذي لا يتعدى عدد مقاتليه 100 مقاتل، بينهم أجانب”.
واستدرك بقوله: “لكن مقاتلو التنظيم يتمركزون في منطقة جبلية ووعرة (جبال عيل مدو) ساعدتهم على البقاء واستمرار نشاطهم الإرهابي من هذه المنطقة، رغم الضربات العسكرية التي يتعرضون لها من الادارة المحلية والشركاء الدوليين، وفي مقدمتهم واشنطن” .
وحول مصادر تمويل “داعش” الصومال، قل نور: “لا أعلم تحديدا مصدر دعمهم المالي واللوجستي، لكن التنظيم الموجود في مناطق شمال شرقي الصومال ليس تنظيما جاء إلى المنطقة، بل مقاتلين باعيوا داعش بعد خلافهم مع حركة الشباب الإرهابية”.
ولنحو شهر، سيطر “داعش” على قرية “قندلا” الساحلية، قبل طرده من قبل قوات بونتلاند، أواخر ديسيمبر 2016.
ويعزز ذلك تقديرات مراقبين عن تلقي التنظيم دعما ماليا ولوجستيا عبر سواحل اليمن، إضافة إلى سعيه إلى السيطرة على منافذ بحرية صومالية، لاستقطاب مقاتلين أجانب، لتعزيز نفوذه في المنطقة .
علاقات محتملة مع القراصنة
“وجود داعش في الصومال، وإن كان بطريقة متخفية، يشكل تهديدا لأمن واقتصاد المنطقة (الصومالية)”، بحسب المحلل السياسي، عثمان إبراهيم، الذي قلل من احتمال تمدد خطره حاليًا إلى دول الجوار.
إبراهيم، وفي حديث للأناضول، اعتبر أن “التنظيم لن يجد قريبا بيئة مناسبة في هذه المنطقة، كونها استوعبت خطورة الارتماء في أحضان الحركات الإرهابية، وأخذت درسا من الانجرار وراء حركة الشباب، التي ما تزال تهيمن على مناطق صومالية”.
ومضى قائلا إن “الشعب الصومالي لا يحبذ هذه الجماعات، ذات الأيدولوجية المتشددة، على غرار حركة الشباب، والتي تبنت عمليات بشعة وأفعال وحشية”.
وحذر من أنه “في حال عزز داعش وجوده بالمنطقة فإن تهديداته لن تقتصر على الجانب الأمني، بل ستشمل الجانب الاقتصادي في هذه المنطقة المهترئة اقتصادية، حيث سيمثل تهديدا على الموانئ البحرية، خاصة مع احتمال أن يقيم علاقات مع القراصنة في قطع حركة التجارة في الموانئ الإقليمية والمحلية” .
قدرات محدودة
وما إن تم الإعلان عن فرع “داعش” في الصومال حتى توالى وعيد قيادات “حركة الشباب”، عبر تسجيلات وبيانات تحذر أفراد الحركة من الانضمام إلى “داعش” أو حتى التعاطف مع أفكاره.
وقال محمد عمر، خبير صومالي في شؤون الحركات الإسلامية، إن “فكر داعش كان موجودا أصلا في الصومال، خاصة داخل جسد حركة الشباب، كون الصومال بؤرة صراعات وبيئة مناسبة لتنامي الجماعات الإرهابية في منطقة القرن الأفريقي ذات الأهمية الاستراتيجية”.
واعتبر عمر، أن “إعلان الولايات المتحدة (عبر غاراتها) عن وجود التنظيم في هذا التوقيت (قبل أيام) ما هو إلا خطوة لتبرير غارات واشنطن المكثفة في الصومال، منذ تولي (الرئيس الأمريكي دونالد) ترمب مقاليد الحكم (يوم 20 يناير/ كانون ثانٍ الماضي)”.
ويجمع مختصون أن داعش لا يشكل حاليا تهديدا ملحوظاً على المنطقة، كونه يضم أفراداً كانوا مهمشين أصلا داخل “حركة الشباب” إداريا واقتصاديا.
كما أن العامل القبلي ربما يلعب دورا حاسما في قوة “داعش” المستقبلية، إذ إن فئة قليلة فقط من أتباعه تنتسب إلى قبيلة زعيم تنظيم داعش فرع الصومال، عبد القادر مؤمن، لذا فإن ما يجمعهم كلهم فقط للآن هو فكرة الانتقام من “حركة الشباب”؛ جراء تصفيتها عدداً من أتباعها بين عامي 2012 و2014.
وينتمي مؤمن إلى قبيلة “مجيرتين”، وهي تقطن المناطق الشرقية الساحلية من ولاية بونتلاند.
مصير التنظيم الأم
وحول قدرة “داعش على الصمود، قال عمر إن “التنظيم يبقي بين مطرقة عدوته اللدودة حركة الشباب، التي لا ترغب في وجود فكر جهادي مغاير لأفكارها، وسندان الحكومة الصومالية، بالتعاون مع القوات الإفريقية، وهو ما يعزز فرضية عدم صموده طويلاً”.
وتابع بقوله إن “بقاء فرع داعش بالصومال كتنظيم ناشط في المنطقة مرهون ببقاء التنظيم الأم في العراق وسوريا، كونه مصدر الدعم الوحيد له، وفي حال انحسار نفوذه بالدولتين حتما سينال نصيبه من التقوقع والتراجع، ففرع الصومال بلا مصادر دخل محلية ويختفي فقط خلف جبال عيل مدو”.
وعلى مدى سنوات من القتال خسر “داعش” معظم المناطق التي سيطر عليها في الجارتين العراق وسوريا، عام 2014.
إن احتمال تعاظم دور تنظيم “داعش” بالصومال، وفق خبراء، سيربك حسابات الدول المجاورة والجهات المعنية بالصومال، ما يجعل مهمة استتاب أمن الصومال في الوقت القريب صعباً للغاية، ويؤثر سلباً على دول الجوار، خاصة الدول العاملة ضمن منظومة قوات حفظ السلام الإفريقية بالصومال (أميصوم).