وصفت أوساط خليجية زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لقطر في ذروة خلافها مع السعودية والإمارات والبحرين ومصر بأنها مسعى إيراني لبث المزيد من الشقاق، واستثمار رغبة الدوحة في تدويل الخلاف للتسلّل إلى البيت الخليجي.
وقالت هذه الأوساط إن تنقل ظريف من سلطنة عمان إلى قطر قد يوحي بكسر الطوق الخليجي في ظاهره، لكن لا قيمة لأي اختراق ما لم تكن السعودية طرفا فيه، وهو ما تعترف به إيران نفسها التي سعت مرارا إلى مغازلة السعودية عبر الاستعداد لحوار غير مشروط أو عبر الاعتراف بدورها الإقليمي المحوري، وهو ما تضمنته تصريحات لمسؤولين إيرانيين بارزين بينهم الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية ظريف.
وقالت وكالة إيرنا في موقعها العربي إن ظريف التقى عصر الاثنين بسلطان عمان قابوس بن سعيد وبحث معه القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وقابل الإعلام الرسمي القطري الاثنين بحفاوة كبيرة زيارة ظريف إلى الدوحة قادما من مسقط في أول زيارة له إلى قطر منذ بدء الأزمة في يونيو الماضي بينها وبين الرباعي العربي.
ولا تندرج زيارة ظريف لعمان وقطر فقط في حدود العلاقات الثنائية بين إيران والبلدين الخليجيين، بل تروم إرسال رسائل إقليمية ودولية تسلط المجهر على إظهار طهران لطبيعة سياستها الخارجية داخل دول الإقليم.
وتنظر إيران بعين الريبة إلى مستقبل الاتفاق النووي وتريد الإطلالة على العالم أجمع من خلال منابر إقليمية تضفي على حراكها جوانب ما فوق إيرانية.
ويؤكد خبراء في الشؤون الإيرانية أن ظريف الذي يمثل استراتيجية الرئيس روحاني في مسائل السياسة الخارجية، ما زال يعوّل على انفتاح خليجي عام حيال إيران، وأن طهران ما انفكت ترسل الإشارات حول سعيها للحوار مع بلدان المنطقة لا سيما مع السعودية.
ويلفت الخبراء إلى أن الموقف السعودي ما زال متشددا في أمر فتح صفحة جديدة مع طهران وهو أمر أوضحه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حين استبعد إمكانية الاتفاق مع دولة لا تؤمن بالمصالح بل بالعقائد، مؤكدا أن الرياض “لن تلدغ من إيران مجددا”.
ويرى هؤلاء الخبراء أن إيران تحاول من خلال زيارة ظريف التلويح بالمساحات التي تمتلكها داخل مجلس التعاون الخليجي من خلال العلاقة مع سلطنة عمان وتلك المستجدة مع قطر بعد قرار الرباعية مقاطعة الدوحة.
وتجزم مراجع خليجية أن طهران ليست بوارد تغيير استراتيجيتها والانتقال نحو مقاربة شفافة مباشرة مع دول المنطقة تأخذ في الحسبان مصالح هذه الدول والعلاقة السوية مع الدول المجاورة، وستسعى من خلال دبلوماسية انتهازية لزرع الشقاق بين الدول الأعضاء في المجلس وصب الزيت على نار أي خلافات بين دوله.
وتعتبر هذه المراجع أن قطر التي تفتح الباب للتدخل الإيراني في الخلاف الخليجي ستكون المتضرر الأبرز، لأن طهران لا تقدر على حل أزمة الدوحة مع جيرانها، وأن توريد البعض من شحنات الأغذية إن استمر لن ينهي أزمة قطر التي تحتاج إلى العمق الخليجي اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، وأن الاعتماد على أطراف خارجية يحقق حلولا ظرفية محدودة قبل أن يتحول إلى ابتزاز مالي وسياسي.
وسعت الدوحة بكل ما تملك لخدمة أجندات إيران في المنطقة بدءا ببناء علاقات قوية مع حزب الله اللبناني وإعادة إعمار المناطق التي يسيطر عليها، والتي تضررت بشكل كامل بفعل حربه مع إسرائيل في 2006، مرورا بعقد صفقات ودفع فدى مع جماعات متشددة لإطلاق سراح أسرى الحزب وإظهاره كقوة مؤثرة في الملف السوري.
وعملت الدوحة على التأثير على قرار حركة حماس الفلسطينية لتكون مواقفها متلائمة مع “حلف الممانعة” الذي تتزعمه إيران، وأن تكون تابعة لحزب الله في لبنان، وأن تعطل المصالحة الوطنية الفلسطينية قبل أن تلتحق بها مؤخرا في ضوء تهاوي الوعود الإيرانية والقطرية لقطاع غزة.
وفي مقابل السخاء القطري، لا تبدو إيران مستعدة لتقديم أي دعم لقطر سوى مجموعة من الوعود والمواقف العامة التي لا تؤخر ولا تقدم، ويعتمد عليها المسؤولون القطريون للاستمرار بالمكابرة وامتداح العدو المشترك لدول مجلس التعاون التي ما تزال إلى الآن عضوا فيه.
ويقول محللون سياسيون إن قطر تعيش وضعا يجعلها على مفترق طريق قد يخرجها من المعادلة الخليجية أو قد يدفع باتجاه تغيرات داخلية فيها إن أساءت قراءة المؤشرات.
ولا تملك إيران أن تقدم جديدا في حلحلة الأزمة القطرية، والتحفظات الكويتية على مشروع الاتحاد قد زالت، وظريف يدرك أن طرد الكويت للسفير الإيراني على خلفية تورط طهران المباشر في قضية خلية العبدلي يضعف حتى من قدرتها على توظيف الورقة الشيعية كويتيا.