أنـا … نعم أنـا … وأسمح لنفسي بأنْ أُكبِّـرَ هذه “الأنـا” ليس اعتداداً بالنفس ، بـل تظهيراً لحجْمِ المخاطر . يحـقُّ لي أنـا ، أنْ أتوجّـه بصرخةِ رفضٍ وشجبٍ لأيِّ انحراف عن المسلكيّات الشيعّية الراقية ، وليس لأحـدٍ أن يتّهمني بالخصومة أو بالتجنّـي.
في مقدمة كتابٍ لي بعنوان “علويات” منحَني العلامة السيد محمد حسين فضل الله هذا الحـق ، “منوِّهـاً” بامتدادي النسَبي الهاشمي ، مثلما اعتبرَ أنّ المسيحي الذي يعيش الإسلام حضارةً وروحاً وحركةً يحـقّ لـه أنْ يبحث القضايا الإسلامية التي يمتلك عناصرها المعرفية …”
من بيروت والضاحية ومعظم قـرى الجنوب وبعلبك ، ومنها إلى سوريا وإيران والعراق وصولاً إلى لندن ، ما كان للمجالس الشيعية والحسينيّات مناسبةٌ من مناسبات أهل البيت إلاّ كان لي على منابرها وقفـةٌ وموقفٌ وخطبة.
ولكن ، الشيعة التي رفعنا لواءَها على حـدِّ اللسان والقلم ، هي الشيعة التي تغنّى بها : جبران خليل جبران ، وأمين نخلـه ، ومخايل نعيمه ، وأمين الريحاني ، وجرجي زيدان ، وبولس سلامه ، وسعيد عقل ، وفؤاد إفرام البستاني إلى سائر الأدباء والشعراء المحدثين من المسيحيين اللبنانيين …؟
الشيعة التي نعرفها وتعرفنا ويعرفها العالم الحـرّ ، هي شيعة الفضائل والمفاخر والعفّـة والورع والعدالة والصفح والتسامح ، عند الإمام علي بن أبي طالب …
هي شيعة التسامي الروحاني والإنساني في كربلائية الحسين …
هي شيعة المقاومة الصارمة في وجـه الظلم عند السيدة زينب في مواجهة يزيـد بن معاوية.
هي شيعة القيم الأخلاقية والوطنية والوحدة اللبنانية عند الإمام موسى الصدر …
هي شيعة المنائر الفكرية والعلمية وأصحاب المقامات الجلائل في جبل عامل …
هي الشيعة التي قيل : إنَّ الفيلسوف “الفارابي” تأثّـر بها فسمّى الإمام رئيساً للمدينة الفاضلة والذي يتشبّـهُ بالعقل الإلهي.
الشيعة تُبـرزُ وجودها وحضورها ونفوذها بالسيرة الحسينيّة والرجال الميامين والأئمَّـة المتنوّرين ، وكلّ ممارسة خاطئة تنفـرّ الرأي العام من الشيعة ، وأنصار الشيعة من الشيعة وبعض الشيعة من الشيعة.
بعدم التعرّض لقوات الطوارىء الدولية نـرّد التحية للأمين العام السابق للأمم المتحدة “كوفي أنان” الذي صـدر في تقرير للأمم المتحدة قولـه :
“إنّ خليفة المسلمين علي بـن أبي طالب يٌعتبر أعـدلَ حاكمٍ ظهرَ في تاريخ البشر بعدْلِ الرسول ، لذلك ننصح البلدان العربية إلى الإقتداء بـهِ كمثالٍ لتأسيس نظامٍ قائم على العدالة والديمقراطية وتشجيع المعرفة …”
هل يكون “كوفي أنان” أكثر حرصاً على قِيـمِ الإمام مـمّا نمارسه نحن في لبنان وغير لبنان …؟ تأكيداً لما أعلنته “حركة أمـل” فإنّ تهديد السلم الأهلي وزعزعة الوحدة اللبنانية، وعرقلة نهوض الدولة – عدا عن كونها تعرّض مرحلة المعافاة للخطر- فهي العْجلُ الذهبي الذي يطمح إليه العدو الإسرائيلي للإنقضاض على لبنان.
الطائفة الشيعية الكريمة غنّيـة بتاريخ عريق وتراثٍ إنساني مجيد ، وهي اليوم تمتلك من الطاقات والقدرات والحوافز ما يجعلها بارزةً في نشاطها الوطني للمساهمة في إعلاء شأنها وشأن لبنان.
من هنا ، وفي مناسبة تشييع السيدين الشهيدين ، ومن خلال استلهامهما، يتعيّـنُ على المرجعيات الشيعية وقيادة حزب الله تحديد المنطلقات المتوافقة مع التطورات الداخلية المرتبكة والتحوّلات الجذرية في المنطقة.
ولنكن كلّنا مقاومة ، ولتكُنْ قراراتنا الوطنية من وحي سماء لبنان.
*كاتب المقال: وزير لبناني سابق.