“الجمارك”.. وقود الحرب بين أمريكا والصين

آخر تحديث : الإثنين 21 أبريل 2025 - 12:03 صباحًا
“الجمارك”.. وقود الحرب بين أمريكا والصين
تقرير - فاطمة خليفة:

• د. كريم عادل: سياسات أمريكا الجديدة قد تطيح بمنظمة الصحة التجارة العالمية (WTO)

>> أمريكا تسعى إلى تفتيت العولمة وإنشاء الأحادية الاقتصادية

>> الصراعأمني تكنولوجي أكثر منه تجاريا

> أمريكا تهدد الأمن الغذائي للدول التي تعتمد على استيرادها للقمح الأمريكي

• د.أحمد يونس: أمريكا والصين في مرحلة صراع بنيوي على زعامة الاقتصاد العالمي

>> المستهلك الأمريكي سيدفع ثمن الصراع بين الصين وبلاده

>> الصين ستلجأ إلى أسواق أفريقيا وشرق آسيا

>> رسالة “ترامب” للحلفاء والخصوم: التعامل مع أمريكا ليس مجانا

>> الدول العربية في أمس الحاجة الآن إلى تكتل اقتصادي عربي قوي

>> مصر هي الأكثر جذبا للاستثمارات الأجنبية المباشرة في ظل الظروف الراهنة

من قلب البيت الأبيض بالعاصمة الأمريكية أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رفع الرسوم الجمركية على واردات أكثر من 50 دولة حول العالم بنسب تتراوح من 20 إلى 50 بالمائة، حتى بلغت 104%على السلع الصينية بعدما تعاملت الصين بالمثل مع السلع الأمريكية، ومازالت الرسوم في تصاعد بين البلدين.

ما أقدم عليه “ترامب” يكتب فصلا جديدا من فصول حرب الاقتصاد والعملات والنفوذ العالمي بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ تمثل معركة الرسوم الجمركية جولة من جولات تلك الحرب، فهل هذه الجولة ستكون الحاسمة، خاصة أن الصين أخذت موقفا تصاعديا تجاه القرارت الأمريكية ؟ أم أنها فقط ستبقى في إطار حرب التصريحات والتهديدات، في ظل قرارات ترامب المتقلبة وتصريحاته المتأرجحة؟

هذا الجدل المثار حول حقيقة حرب الجمارك بين الصين وأمريكا يدفعنا لطرح الكثير من الأسئلة على نخبة من الخبراء الاقتصاديين في هذا التقرير. عن حقيقة هذه الرسوم الجمركية التي ترهب بها أمريكا العالم والتي تعد جزءً من القواعد الراسخة التي يتكئ عليها الاقتصاد الأمريكي، وعن أهم هذه القواعد وما بقي منها لاستمرار تلك الحرب الاقتصادية، وهل بالفعل هذه القواعد يمكن أن تضمن فوز لترامب على الصين؟

رسوم عدائية

في هذا الإطار يقول الدكتور كريم عادل رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية: في الحقيقة هذه رسوم عدائية وليست مجرد رسوم جمركية، والسياسات التجارية الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية قد تطيح بمنظمة التجارة العالمية WTO التي أنشأت بهدف تنظيم التجارة في السلع والخدمات والملكية الفكرية بين البلدان المشاركة من خلال توفير إطار للتفاوض بشأن الاتفاقيات التجارية التي تهدف عادة إلى خفض أو إلغاء الرسوم الجمركية وحصص التوريد والحواجز التجارية الأخرى.

ويضيف د. كريم: أعلن “ترامب” أن الهدف من هذه الرسوم التي فرضت على كافة دول واقتصادات العالم سواء حلفاء أوأعداء من وجهة نظر الإدارة الأمريكية أنها تمثل إصلاح اقتصادي داخلي وسوف تساهم في خلق إيرادات مالية جديدة وخفض الفائدة بالإضافة إلى الاعتماد على الاقتصاد الداخلي من خلال تقليل الواردات والاعتماد على المنتج الأمريكي؛ ولكن في واقع الأمر أمريكا تسعى إلى تفتيت العولمة وإعادة تشكيل الاقتصاد العالمي بقيادة أمريكية وتحويله من الرأسمالية إلى الأحادية والإمبيريالية الأمريكية، وبالتالي تكون أمريكا هي القوة الأحادية العظمى.

من المستفيد؟

ويوضح د.كريم عادل أن أمريكا تسعى إلى تصدير أزماتها الداخلية من عجز تجاري وارتفاع معدلات الفائدة وانخفاض معدلات التوظيف إلى العالم ، وتعتقد أن هذه الرسوم ستكون في صالحها على المدى الطويل وأنها بهذا ستكون في معزل عن ما قد يصيب الاقتصاد العالمي حال إصرارها على تلك الرسوم، ولكن الحقيقة أنها ستكون في صالح الاقتصاد الصيني الذي يتمتع بقوة ونفوذ اقتصادي مع كافة دول العالم ولديه من المقومات والأدوات التي تمكنه من تعويض أية خسائر قد تتسبب فيها قرارات ترامب، فالصراع ليس صراعا تجاريا بقدر كونه صراع أمني تكنولوجي، حيث تستهدف كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية والصين من خلال فرض مجموعة من القيود المتبادلة على معدات تصنيع الرقائق وبرمجيات وأشباه الموصلات المتطورة وقف تطوير تقنيات قد تستخدم في المجالات العسكرية مثل أنظمة الذكاء الاصطناعي والأسلحة المتقدمة، حيث تتداخل المصالح التجارية والاقتصادية مع مصالح ومتطلبات الأمن القومي، فالحرب التكنولوجية ليست مجرد نزاع اقتصادي بل هي معركة استراتيجية تحدد مستقبل القوى الكبرى في ظل التقدم التكنولوجي المتسارع مما يؤثر بالتبعية على سلاسل الإمداد العالمية وعلى الاقتصاد العالمي وأمنه في المستقبل، ذلك كون مثل هذه القرارات تلحق الضرر بالتجارة الاقتصادية الدولية وبنظامها ويعيق سلاسل الإمداد العالمية.

الرقائق.. كلمة السر

ويكمل د. كريم عادل، حديثه: لا شك أن هناك قلقا أمريكيا متزايدا بسبب قدرة الشركات الصينية على تطوير رقائق متقدمة، بسبب قاعدة الصين الصناعية الضخمة التي منحتها الريادة في تقديم الابتكارات الجديدة إلى الأسواق العالمية بأسعار منافسة بالرغم من عدم التزام أمريكا بضوابط التصدير الشاملة، وهذه الحرب لها جانبين الأول منع الصين من اللحاق بالتفوق التكنولوجي للولايات المتحدة عن طريق منع نقل التكنولوجيا والثاني تعظيم الفجوة التكنولوجية بينهما. وهذا يدل على أن أمريكا لا تملك بديل عن دور الصين الصناعي والتجاري في الأسواق العالمية.

الدكتور كريم عادل رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية

عن قواعد الاقتصاد الأمريكي يقول د. كريم عادل: يرتكز الاقتصاد الأمريكي على مجموعة مقومات في مواجهة كافة اقتصادات دول العالم، أهمها القطاع الصناعي الذي يعد قطاعاً أساسياً في الاقتصاد الأمريكي، حيث تحتل الولايات المتحدة الأمريكية المراتب الأولى عالمياً في عدة منتجات صناعية تتميز بالتنوع والفخامة، مما جعلها تسيطر على حصة كبيرة من الإنتاج العالمي، بالإضافة إلى الإنتاج الزراعي حيث تستخدم القمح كسلاح أخضر في العلاقات الدولية الاقتصادية، وهو يمثل سلاحا يهدد الأمن الغذائي لكافة الدول المستوردة للقمح الأمريكي. يضاف إلى ذلك كله قوة الدولار الأمريكي كعملة عالمية مهيمنة، وبحسب “إيكونوميست” فإن قوة الدولار تعني قدرة الشركات الأمريكية على الدخول بسهولة في التجارة الدولية، قدرة المستثمرين الأجانب على الثقة في الأصول الأمريكية.

ويختتم د. كريم عادل حديثه قائلا: ما قامت به الإدارة الأمريكية سيترتب عليه زعزعة الثقة في الاستثمار داخليا والبحث عن قنوات استثمار وسلاسل توريد وإمداد ومناطق إنتاج وتصنيع وتوزيع جديدة بعيداً عن أمريكا لضمان القدرة على التنافسية والنفاذ إلى مختلف الأسواق العالمية وهروباً من الرسوم الجمركية التي فرضتها الإدارة الأمريكية والتي من المتوقع زيادتها على كل من يحاول الرد بزيادة الرسوم على واردات الولايات المتحدة الأمريكية.

السياسة تقتحم

يرى الكثير أن هذه الرسوم التي فرضتها أمريكا هي ضربة موجهة للصين تحديداً بالرغم من تأثيرها على اقتصادات أخرى. في المقابل يشكك آخرون في جدية تلك الضربة ويصفها بحرب تصريحات وتهديدات فقط، في هذا السياق يحدثنا الأكاديمي اللبناني والخبير الاقتصادي الدكتور أحمد يونس عن حقيقة الصراع الاقتصادي الأمريكي الصيني، ولماذا الصين تحديداً بالرغم من وجود اقتصاديات كبرى منافسة مثل اليابان وألمانيا، وهل سنشهد سباق اقتصادي جديد بين أمريكا والصين مثل سباق العملات والنفط والتكنولوجيا التي مازالت أمريكا تتفوق فيهما.

يقول الدكتور أحمد يونس: في البداية لم يعد الصراع التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين مجرّد نزاع على الرسوم الجمركية أو فائض الميزان التجاري. إنه صراع بنيوي على زعامة الاقتصاد العالمي، وهنا تتداخل فيه السياسة مع التكنولوجيا، والنفوذ الجيوسياسي مع معادلات السوق. فمنذ اندلاع شرارة الحرب التجارية في العام 2018، دخل الاقتصاد العالمي في مرحلة جديدة من التوتر، تزايدت حدته مؤخرًا مع قرارات أمريكية تصعيدية أعادت هذا الملف إلى واجهة المشهد الدولي.

قلق أمريكي

ويكمل د. يونس: بدأت ملامح القلق الأمريكي تتشكل بوضوح منذ انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001. ورغم الفوائد التي جنتها الشركات الأمريكية من دخول السوق الصينية، سرعان ما بدأت واشنطن تتحدث عن “خلل في قواعد اللعبة”، متهمة بكين بممارسات لا تنسجم مع روح التجارة الحرة، منها:

– نقل التكنولوجيا القسري.

– دعم حكومي واسع النطاق للصناعات الوطنية.

– تقييد الاستثمار الأجنبي.

– التلاعب بسعر صرف اليوان.

ومع نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، بدأت الإدارة الأمريكية، وتحديدًا في عهد الرئيس دونالد ترامب، باتخاذ خطوات عملية لوقف ما سمّته بـ”الاختلالات البنيوية” في العلاقات الاقتصادية مع بكين.

وفي مارس 2018، فرضت إدارة ترامب رسومًا جمركية بنسبة 25% على واردات صينية تبلغ قيمتها نحو 50 مليار دولار، تلتها دفعات لاحقة من الرسوم طالت أكثر من 360 مليار دولار من السلع الصينية إلا أن الرد الصيني لم يتأخر، فردّت “بكين” بفرض رسوم على منتجات أمريكية استراتيجية مثل فول الصويا والطائرات الصغيرة والسيارات.

يضيف د يونس: شهدت الأعوام اللاحقة جولات تفاوض مكثفة أسفرت عن توقيع “اتفاق المرحلة الأولى” في يناير 2020، الذي تضمن تعهدات صينية بزيادة وارداتها من المنتجات الأميركية. غير أن الاتفاق لم ينهِ الحرب، بل جمدها مؤقتًا بانتظار ظروف أكثر ملاءمة للاستئناف، في الأسبوع الماضي، وفي ظل عودة دونالد ترامب إلى المشهد السياسي بقوة، أعلنت الإدارة الأميركية عن حزمة جديدة من الرسوم على واردات صينية “حساسة”، شملت:

– رقائق إلكترونية ومعالجات دقيقة.

– معدات الطاقة المتجددة.

– السيارات الكهربائية.

حيث تذرعت الإدارة الأمريكية بأن الصين “تسعى للهيمنة على القطاعات التكنولوجية الحيوية”، وتستمر في دعم شركاتها الحكومية بطريقة تخل بالمنافسة العادلة؛ إلا أن رد فعل بكين لم يكن انفعاليًا، بل مدروسًا، وقامت وزارة التجارة الصينية بفرض رسوم على سلع أمريكية رئيسية، وكشفت الحكومة الصينية عن خطط متسارعة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الرقائق والتكنولوجيا الدقيقة من خلال تعزيز تحالفاتها التجارية مع دول مثل روسيا وإيران، كما فعّلت مشاريع ضخمة ضمن مبادرة “الحزام والطريق” لتوسيع نفوذها في آسيا وأفريقيا.

ارتفاع كلفة الإنتاج

ويؤكد د. يونس: يجب أن نعرف أن هناك تداعيات لهذه القرارات والرسوم الجديدة على الاقتصاد الأمريكي ومن هنا سنرى ارتفاع لكلفة الإنتاج لدى الشركات الأمريكية التي تعتمد على قطع ومكونات صينية، ما سيجبر بعضها على تقليص الإنتاج أو نقل خطوطه إلى دول أخرى. أما المستهلك الأمريكي فسيدفع ثمنًا مباشرًا من خلال ارتفاع الأسعار، خصوصًا في مجالات الإلكترونيات والسيارات والطاقة البديلة. كذلك قطاع التكنولوجيا سيواجه ضغوطًا في سلاسل التوريد، خاصة مع التوتر في سوق الرقائق والمعالجات. في المقابل دافعت إدارة ترامب عن قراراتها مؤكدة أن الرسوم ستشجع على عودة التصنيع المحلي وستعيد الشركات الأمريكية التي لديها مصانع وخاصة في الصين إلى البلد الأم كما أنها أي تلك القرارات ستؤمّن حماية للصناعات الوطنية في مواجهة دعم الدولة الصينية إضافة إلى تعزيز إيرادات الخزانة الأمريكية.

أسواق بديلة

عن تداعيات هذا الصراع على الاقتصاد الصيني يقول د يونس: بالرغم من قوته إلا أن الصادرات إلى أمريكا ستسجل انخفاضًا واضحًا، مما يؤثر على بعض الصناعات التكنولوجية المتقدمة كذلك الاستثمار الأجنبي سيبدأ بالتراجع بفعل المخاوف من بيئة أعمال غير مستقرة وخاصة المستثمرون الصينيون سيصبحون أكثر تحفظًا تجاه الانفتاح على الأسواق الأمريكية. لكن من جهة أخرى فإن بكين لديها قدرة على احتواء هذا الصراع من خلال توسعها في أسواق أفريقيا وجنوب شرق آسيا والتركيز على السوق الداخلية ورفع الاستهلاك المحلي إلى جانب دعم الابتكار التكنولوجي وإنشاء بدائل محلية لمكونات حساسة. ويتوقع د يونس: أن هذه الحرب التجارية لن تبقى ثنائية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية فإن الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال قد وجد نفسه بين نارين، إذ أنه يعتمد اقتصاديًا على الصين من جهة ويتحالف سياسيا مع واشنطن، وسيبقى يعاني من اضطرابات في سلاسل التوريد.

روسيا تستفيد

ويوضح د. يونس: فيما يخص روسيا فهي تستفيد من تعزيز شراكتها مع الصين، وباتت لاعبًا اقتصاديًا محوريًا في ربط شرق آسيا بأوروبا، وفيما يخص الشرق الأوسط فسيبقى في ظل قلق متزايد حول تحول المنطقة إلى ساحة صراع نفوذ بين الصين و أمريكا إلى جانب تأثره بانخفاض أسعار الطاقة نتيجة تباطؤ الطلب. يبقى هناك منطقة أفريقيا وشرق آسيا والتي تحوّلت إلى أهداف رئيسية للاستثمارات الصينية والأمريكية، وأصبحت تواجه ضغوطًا سياسية لاختيار أحد المحورين. وفيما يخص أسواق الأسهم والنفط، فكل جولة من التصعيد ستنعكس مباشرة على تلك الأسواق وستعاني من حالة الهبوط في مؤشرات البورصة العالمية كذلك التقلبات الحادة في أسعار النفط ستؤدي إلى تباطؤ في الاقتصاد العالمي وستدفع المستثمرين كي يتوجهوا نحو الذهب كملاذ آمن.

التراجع أو المواجهة

ويكمل د. يونس: السؤال الأهم هو حول الدوافع التي جعلت ترامب يتخذ مثل تلك القرارات والتي تبدو أبعد من تخفيف أعباء الاقتصاد الأمريكي، بل يبدو أن الرئيس ترامب يسعى لإعادة صياغة النظام التجاري العالمي وفق الشروط الأمريكية وإرغام الصين للحضور إلى طاولة الحوار مع أمريكا بموقف الضعيف. كذلك فهو يريد إرسال رسالة إلى الحلفاء قبل الخصوم مفادها أن “التعامل مع أمريكا ليس مجانًا… بل وفق شروطها.”، وبالتالي هناك فرض واقع جديد يجعل من أمريكا “مركزًا لا غنى عنه” في سلاسل الإنتاج العالمية، ويضع الصين أمام خيارين أحلاهما مر: التراجع أو المواجهة. ويختتم “يونس” حديثه قائلا: انطلاقا مما سبق فإن المؤشرات الحالية لا توحي بانفراج قريب والحرب التجارية تتحوّل تدريجيًا إلى حرب باردة (اقتصادية)، يتداخل فيها الاقتصاد بالتكنولوجيا بالتحالفات السياسية.

الأكاديمي اللبناني والخبير الاقتصادي الدكتور أحمد يونس

ولا سبيل لأي حلول قريبة إلا في حال أعادت أمريكا النظر في مصالحها مع الحلفاء التقليديين من جهة وقبلت الصين ببعض التنازلات التقنية والهيكلية من جهة أخرى مما يسمح لتدخل أطراف دولية كالاتحاد الأوروبي أو مجموعة العشرين لتقريب وجهات النظر. مازال العالم يترقب تداعيات هذه الجولة الجديدة من جولات الحرب الأمريكية الصينية التي لم تُطلق فيها رصاصة واحدة، لكنها قد تكون أكثر حسماً من أي حرب تقليدية كونها أكثر تأثيرا على الاقتصاد والتجارة والإنتاج في كافة دول العالم.

المنطقة العربية والشرق الأوسط

عن تأثير ذلك على مصر والدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط، يقول د. أحمد يونس: مصر تعتمد على استيراد العديد من المكونات التكنولوجية والآلات الصناعية من الصين، لا سيما في مشاريع البنية التحتية، والطاقة، والتعليم وأي ضغط على الاقتصاد الصيني أو ارتفاع في أسعار المنتجات التكنولوجية بسبب الرسوم الأمريكية قد يؤدي إلى زيادة كلفة المشاريع في مصر أو تأخير تنفيذها.

كذلك بالنسبة للاستثمارات الصينية حيث أن مصر شريك مهم في مبادرة “الحزام والطريق”، لا سيما في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس لكن لا بد من الإشارة أن التوجه الصيني لتعويض خسائر السوق الأمريكية سيدفعها لتوسيع استثماراتها في دول مثل مصر، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة التمويل الصيني للمشاريع، وأيضًا ارتفاع النفوذ الصيني اقتصاديًا وسياسيًا. ومن ناحية أخرى بالنسبة لصادرات مصر.

فأي تراجع للطلب العالمي نتيجة تباطؤ الاقتصاد الصيني أو الأمريكي سيؤثر سلبًا على الصادرات المصرية (خاصة في مجالات مثل القطن، والمنتجات الغذائية، والكيماويات).

أما لبنان، فهو يستورد نسبة كبيرة من بضائعه من الصين، خصوصًا في قطاع الإلكترونيات، المواد الخام، الأدوات المنزلية والهواتف وأي ارتفاع في الكلفة بسبب الرسوم الأمريكية سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار في السوق اللبنانية، ما يزيد الضغط على المستهلك اللبناني وسط أزمة اقتصادية خانقة،كذلك ضعف فرص التصدير حيث أن تراجع القوة الشرائية في الأسواق العالمية سيقلص فرص التصدير اللبنانية (رغم محدوديتها)، خصوصًا في القطاعات التي تحاول التعافي مثل النبيذ، الأغذية، والصناعات الحرفية.

ولكن بالنسبة لدول الخليج العربي، فالدول النفطية ستتأثر بتقلب أسعار النفط الناتجة عن الحرب التجارية، وقد تواجه تذبذبًا في الإيرادات. ولكن في الوقت نفسه، قد تشهد تدفقًا أكبر للاستثمارات الصينية خصوصًا في الطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي. وهناك دول هشة (مثل سوريا، اليمن، السودان ستتضرر بشكل غير مباشر عبر انخفاض المساعدات الدولية أو تباطؤ مشاريع إعادة الإعمار بسبب انشغال القوى العالمية في صراعاتها الاقتصادية.

تهديدات الاقتصاد العربي

عن دور الدول العربية في التصدي لهذا التهديد الاقتصادي المحتمل يقول الدكتور كريم علي: العالم بصفة عامة والدول العربية بصفة خاصة مر بأزمات متتالية على مدار السنوات الأخيرة بين توترات جيوسياسية وتقلبات اقتصادية وتعطل سلاسل التوريد والإمداد؛ جميعها تسبب في تأثيرات على اقتصادات الدول العربية، وكانت جميعها بمثابة جرس إنذار لأن يتم التكاتف والترابط فيما بينهم لعمل وحدة عربية اقتصادية مشتركة تكون بمثابة تكتل اقتصادي جديد يواجه ما فرضته الأزمات الأخيرة وتحديات العولمة من قيود وضغوط. إلى أن جاءت السياسات التجارية العدائية للرئيس الأمريكي ترامب والتي تمثل تهديداً كبيراً لاقتصادات الدول العربية خاصةً تلك الدول ذات الصلة والارتباط بملف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وذات القرارات المؤثرة في طبيعة وحل ذلك الصراع من وجهة نظره، فقرارات ترامب هي قرارات تبدو ذات نزعة تجارية ولكن في حقيقة الأمر هي قرارات ذات خلفية سياسية بالمقام الأول.

فالدول العربية الآن بحاجة إلى أن تتسارع بين إنشاء تكتل اقتصادي عربي لا يقل في ثقله وتأثيره الاقتصادي عن التكتلات الاقتصادية المماثلة مثل تجمع بريكس ودول الاتحاد الأوروبي.

حتى وإن كان ذلك يتعذر في الفترة الحالية ، إلا أنه من الممكن أن تتفق الدول على وضع إطار عام للتعاون التجاري والاستثماري فيما بينهم ، بما يدعم اقتصادات الدول العربية بعضها البعض ويتيح فرص الاستثمار ونمو اقتصاداتها. فالتحديات القادمة كبيرة وكلما كان هناك خطوات سريعة تبرز نمو التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول العربية كلما ساهم ذلك في تقليل حدة التهديدات من الجانب الأمريكي والتلويح الدائم بضغوط اقتصادية على الدول العربية. ولن يتحقق ذلك إلا من خلال تسهيل حركة تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية وزيادة حجم الاستثمارات المباشرة في مشروعات ذات إنتاجية عالية وعلى رأسها قطاعات الصناعة والزراعة والطاقة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

وعلى الدول العربية كافة أن تقدم كافة سبل الدعم والتسهيلات والإعفاءات لمستثمري الدول العربية الأخرى، وكذلك تسهيل حركة التبادل التجاري والدخول في مشروعات إنتاجية مشتركة تؤسس لسلاسل توريد وإعداد جديدة تقلل من الاعتماد على الواردات الأمريكية. فإن كان التحالف الاقتصادي العربي تأخر كثيراً إلا أن كافة المؤشرات والأحداث تؤكد على ضرورته وتأثيره على مستقبل اقتصادات الدول العربية خلال السنوات القادمة. فاقتصادات الدول العربية وإن كانت اقتصادات ناشئة إلا أنها تمتلك مقومات وأدوات تجعلها في مسار الاقتصادات المتقدمة إذا تم التعاون بصورة صحيحة ومحققة لمصالح جميع الأطراف. ومن الجيد أن تسعى الدولة المصرية إلى الدخول في تحالفات اقتصادية وتجارية بعد الرسوم الجمركية العدائية المفروضة من الرئيس الأمريكي ترامب ، خاصة وأنها من الدول الأقل نسبة في الرسوم الجمركية الجديدة التي تم الإعلان عنها، وتتميز مصر بعلاقات سياسية واقتصادية متوازنة مع العديد من الدول بما فيها الدول الأكثر تضرراً من رسوم ترامب.

فالدولة المصرية تمثل عنصر جذب للاستثمارات الأجنبية المباشرة خاصةً من الدول ذات النسب الأعلى في الرسوم الجمركية التي أعلنها الرئيس ترامب، فمن الممكن أن تكون بذلك منطقة إنتاج وتوزيع ومصدر لسلاسل الإمداد والتوحيد العالمية، وهناك تجارب سابقة مماثلة نجحت في استغلال الفرص مثل فيتنام والمكسيك والهند الذين استفادوا من التصعيد بين الصين وأمريكا. وهناك نماذج أخرى نجحت في إدخال صناعتها ومنتجاتها عن طريق دول أخرى سواء لوجود خلاف سياسي كما كان بين تركيا والاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالملابس الجاهزة ونجحت تركيا في النفاذ إلى أوروبا من خلال أوكرانيا، وكذلك خلاف تجاري مثل ألمانيا التي أدخلت منتجات بمكونات صينية إلى الولايات المتحدة الأمريكية على أنها صنعت كاملة في ألمانيا لتفادي الرسوم الجمركية على المكون الصيني في المنتجات.

ولكن هناك تحديات تعوق تحقق ذلك أو لتحققه يتطلب سرعة معالجتها والمتمثلة في أزمة عدم استقرار سعر الصرف هو أمر مقلق لأي مستثمر أو مصنع، عدم كفاءة البنية التحتية الصناعية في المناطق الصناعية، البيروقراطية وطول أمد الإجراءات التي تكلف المستثمر وقت وجهد ومال.

رابط مختصر
2025-04-21
أترك تعليقك
0 تعليق
*الاسم
*البريد الالكترونى
الحقول المطلوبة*

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

ان كل ما يندرج ضمن تعليقات القرّاء لا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن آراء اسرة العربي الأفريقي الالكترونية وهي تلزم بمضمونها كاتبها حصرياً.

حاتم عبدالقادر